ويبقى المسرح.. قراءة فى الدورة 16 للمهرجان القومى للمسرح
فى حفل مميز بمسرح النافورة بدار الأوبرا المصرية، تم إعلان جوائز المهرجان القومى للمسرح، وسط حضور كثيف للفرق المشاركة. وفى أجواء مبهجة يملؤها الحماس أعلنت لجنة التحكيم جوائزها، ودون الخوض فى تفاصيلها، كان جليًا بالنسبة لى أنها تعكس ذائقة تميل إلى المسرح الكلاسيكى.. وهو بالقطع ليس عيبًا؛ فتنوع الأذواق هو الضامن الوحيد لئلا تبور السلع.
لكن ربما يجعلنا ذلك نراجع معيار التنوع المنهجى داخل لجان التحكيم.. فربما هو معيار مهم وأولى باعتماده عن تناسق ذائقة اللجنة، وسيدفع هذا المعيار بعروض أكثر تنوعًا فى جمالياتها وفنياتها للجوائز.
لاحظت أيضًا أن اللجنة آمنت بقيمة التشجيع والحافز كهدف أسمى للجوائز، فعملت على إشاعته بين قطاعات المسرح المختلفة، واعتمدت صيغة المناصفة، وهى صيغة ربما لها وجهها السلبى بخلاف الوجه الإيجابى الذى قصدته اللجنة، فكثير من الفنانين يعتبرون ذلك انتقاصًا من جهدهم وعملهم.. فهم لم يبذلوا نصف الجهد ولم يُظهروا نصف التميز ليحصدوا نصف الجائزة.
أتساءل: إذا اعتبرنا التشجيع هدفًا أسمى- وهو كذلك بالفعل- لماذا لا نراجع مسألة الجوائز برمتها لتحل محلها الإتاحة؟
بمعنى أن يصير المهرجان القومى عيدًا قوميًا للمسرح، تفتح فيه كل المسارح أبوابها مجانًا للجمهور، ويعرض فيه نتاج المسرح المصرى على مدار موسم كامل فى كل أنحاء جمهورية مصر العربية.. لنتنافس على الجمال لا على الجوائز.
قدمت لجنة التحكيم عددًا من التوصيات المهمة؛ فطالبت بالاهتمام بالكيف لا الكم، وبتوافر «بامفلت» لكل عرض، ولو على سبيل التوثيق، وبضرورة ذكر اسم المؤلف فى النصوص المعدة، ووضع الممثلين بأسمائهم وصورهم فى الـ«بامفلت» لتسهيل مهمة اللجنة، كما طالبت بعدم إقحام الفنون الاستعراضية فى الأعمال الدرامية دون داعٍ، وطالبت كذلك بجودة أنظمة الصوت فى دور العرض حتى يتضح مصدر الخلل، أهى الآلة أم البشر، وأوصت بالاهتمام بإقامة الورش والمنح التدريبية.
وفى توصيتها الأخيرة، أشارت اللجنة إلى وجيعة اللغة العربية، التى تُنتهك فى كثير من العروض، وأشارت إلى أن ذلك كان سببًا فى تقزيم حظ بعض العروض فى المنافسة.
كانت توصيات لجنة التحكيم بطلًا حقيقيًا فى ختام المهرجان، إذ إنها شخصت، وبدقة وصدق، أمراضًا يعانى منها المسرح المصرى، وربما تكون المسئولية مشتركة بين العديد من الجهات أن تتصدى لعلاج تلك الأمراض.. يكفينا توصيات المؤتمرات والندوات والمهرجانات التى تكدست فى الأدراج.. فلنعتبر تلك التوصيات هذه المرة أهدافًا، ونعد خطة تنفيذية لنصحح المسار ونحقق الأهداف القريبة والبعيدة، فجميعنا يعرف على سبيل المثال أنه لم تخلُ دورة من دورات المهرجان القومى للمسرح من توصية اللغة العربية مثلًا.. فلماذا لا نقيم من أجلها التدريبات والورش لتأهيل الفنانين؟، ولذا فأنا أثمّن كثيرًا هذه الدورة: استحداث ورشة الإلقاء التى أقامها الفنان خالد عبدالسلام، وكان جزء منها النطق السليم واللغة العربية السليمة، وأتمنى انتشار مثل تلك الورش سواء عبر المهرجان أو خارجه.
تميزت الدورة ١٦ من المهرجان القومى للمسرح بالمستوى الفنى الجيد للعروض المقدمة، وهو ما يعكس موسمًا مسرحيًا قويًا، وتميزت تلك الدورة تنظيميًا وإداريًا، لذا لا يسعنى فى النهاية سوى أن أُحيى الجهود الكبيرة والمخلصة التى بذلها فريق عمل المهرجان، سواء فى الدعايا والإعلام أو المحور الفكرى أو النشرة أو التنظيم، وعلى رأسهم الفنان القدير ياسر صادق، مدير المهرجان، الذى لم تكن المرة الأولى لاختبار قدراته الإدارية وجدارته، ومتحف المركز القومى للمسرح شاهد على ذلك، والنجم الكبير محمد رياض، رئيس المهرجان، الذى فاجأنا جميعًا بإدارة نبيهة موجهة نحو أهدافها، حاضرة فى كل كبيرة وصغيرة، وبرؤيته السابقة التى تجعله يسعى لإدراك سلبيات المهرجان قبل إيجابياته، والعمل على تجاوزها فى الدورات المقبلة، مدركًا أن الهدف هو المسرح ذاته لا المهرجان، ففى النهاية ينتهى المهرجان، أى مهرجان، ويبقى المسرح.