ملفات عالقة وغضب مكتوم.. كواليس زيارة نتنياهو المرتقبة إلى واشنطن
أفادت تقارير عبرية بأن الرئيس الأمريكى جو بايدن، سيدعو رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، لزيارة البيت الأبيض، الشهر المقبل، فى زيارة ستكون الأولى لنتنياهو إلى واشنطن منذ توليه منصبه الحالى فى ديسمبر الماضى.
وأثار تأخر دعوة نتنياهو لزيارة واشنطن الجدل حول ما أصاب العلاقات الإسرائيلية الأمريكية فى الوقت الحالى، وطبيعة الخلافات التى تدور فى الكواليس حول عدد من الملفات العالقة، على رأسها الملف الإيرانى والإصلاحات القضائية وتطبيع العلاقات مع السعودية، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
رئيس الوزراء الإسرائيلى يتحدث عن رحلة إلى الصين بعد تأخر دعوته إلى البيت الأبيض
بقلق واضح، انتظر بنيامين نتنياهو الدعوة الأمريكية التقليدية لزيارة البيت الأبيض، التى تمهل الرئيس الأمريكى كثيرًا فى توجيهها إليه، مخالفًا بذلك نهج الرؤساء الأمريكيين تجاه القادة الإسرائيليين، وذلك رغم العلاقة القوية والقديمة والشخصية بين الرجلين.
وبدأ الحديث الأول عن الزيارة المرتقبة فى مايو الماضى، عندما علق جون كيربى، المتحدث باسم مجلس الأمن القومى فى البيت الأبيض، قائلًا: «أتوقع أن رئيس الوزراء الإسرائيلى سيزور البيت الأبيض فى وقت ما»، لكن بعد هذا التصريح لم توجه الدعوة رسميًا.
وفى يوليو الماضى، زار الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوج، واشنطن، والتقى الرئيس الأمريكى، ما تسبب فى غضب نتنياهو، لكونه لم يتلق مثل هذه الدعوة.
فى حينه، أفادت القناة الـ١٣ الإسرائيلية بأن نتنياهو انتقد سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، مايك هرتسوج، وهو شقيق الرئيس الإسرائيلى، بسبب العلاقات المتوترة بين حكومته وإدارة بايدن.
وقالت مصادر دبلوماسية إن مصدر غضب نتنياهو الرئيسى هو عدم توجيه دعوة إليه لزيارة واشنطن، وبحسب ما ورد فى التقارير، فقد قال نتنياهو للسفير: «يجب أن تبذل جهدًا أكبر للحصول على دعوة للبيت الأبيض»، موضحًا أن زيارة الرئيس الإسرائيلى واشنطن ستمنحها الشرعية اللازمة لعدم دعوة رئيس الوزراء فى المستقبل القريب.
وكنوع من الرد، أشار نتنياهو إلى أنه تلقى دعوة لزيارة الصين ولقاء رئيسها شى جين بينج، فى لفتة فسرها كثيرون على أنها علامة تحد، وتهدف للرد على تجاهل الإدارة الأمريكية.
وفى أواخر يونيو الماضى، وبعد أن تحددت زيارة «هرتسوج»، التقى نتنياهو عددًا من أعضاء الكونجرس الأمريكى، وأبلغهم بأنه تلقى دعوة لزيارة الصين، وأوضح أن التعاون الأمنى والاستخباراتى بين واشنطن وتل أبيب بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق، وشدد على أن الولايات المتحدة ستكون دائمًا الحليف الأساسى لإسرائيل، ولا يمكن الاستغناء عنها.
وأوضح المراقبون أن زيارة نتنياهو إلى الصين لا تعتبر فقط تحديًا لإدارة بايدن، لكنها أيضًا تعبر عن الدور الدبلوماسى الملحوظ الذى أصبحت الصين تلعبه فى الشرق الأوسط، بعد أن توسطت مؤخرًا فى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بالإضافة إلى استقبال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فى بكين فى وقت سابق من الشهر الماضى. وأشاروا إلى أن زيارة نتنياهو إلى بكين قد تهدف لتهديد واشنطن، ووضع الصين على الطريق نحو اتفاق التطبيع مع السعودية، ما سيؤثر بشكل فعال على الدور الأمريكى الطويل الأمد كحلقة وصل دبلوماسية رئيسية فى علاقات إسرائيل مع دول الشرق الأوسط الأخرى.
استمرار الخلافات حول الملف الإيرانى والتطبيع والإصلاحات القضائية
تتزامن الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلى إلى البيت الأبيض مع التوتر فى عدة ملفات بين تل أبيب وواشنطن، بداية من التوتر فى العلاقات بين نتنياهو وبايدن خلال الأشهر الأخيرة، على خلفية ملف الإصلاحات القضائية التى حاولت حكومة نتنياهو الدفع بها، ما أدى إلى احتجاجات جماهيرية حاشدة هى الأقوى والأكثر استمرارية فى تاريخ إسرائيل.
وتتزامن الزيارة المرتقبة أيضًا مع مساعى إدارة بايدن للدفع قدمًا باتفاقية تطبيع بين إسرائيل والسعودية، وكذلك التوتر بشأن مستقبل الأنشطة النووية الإيرانية، وسط محاولة الإدارة إتمام صفقة مع إيران من شأنها إعادة السيطرة الدولية على البرنامج النووى مقابل تخفيف العقوبات على طهران، فى الوقت الذى تعارض فيه إسرائيل أى اتفاق «لا يفكك البنى التحتية للمشاريع النووية».
وأتى الإعلان عن الزيارة المرتقبة، كذلك، بعد يوم واحد من انتقاد نتنياهو التفاهمات الأمريكية مع طهران وقوله: «إنهم يعطون الأموال لعناصر إرهابية».
وفى أول إشارة إلى مذكرة التفاهم غير المكتوبة بين واشنطن وطهران، انتقد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى إدارة بايدن، «التى تريد وقف اندفاع إيران لتخصيب اليورانيوم من خلال تنازلات اقتصادية».
وداخليًا، اتهم يائير لابيد، زعيم المعارضة فى الكنيست، حكومة نتنياهو، بالتسبب فى التفاهمات بين الولايات المتحدة وإيران، وقال: «كجزء من الضرر الناجم عن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والحكومة اليمينية الفاشلة، فقد أبرم الأمريكيون الآن صفقة مع إيران»، مضيفًا: «الإيرانيون سيضخون مليارات الدولارات فى البرنامج النووى، ولا أحد يستمع إلى الموقف الإسرائيلى».
من جانبه، قال المعلق العسكرى والأمنى روى بن يشاى، فى تحليل عن فحوى الاتفاق «غير المكتوب» بين واشنطن وطهران، إن الاتفاق يتضمن تقليل اندفاع إيران لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى وكمية يسمحان لها بامتلاك أسلحة نووية فى وقت قصير، مقابل تنازلات ومزايا اقتصادية ستمنحها لها الولايات المتحدة للتخفيف من الضائقة الاقتصادية والمالية لدى طهران.
وأوضح «بن يشاى» أن مذكرة التفاهم غير المكتوبة هذه تحتوى أيضًا على جوانب أخرى، تشمل كبح شحنات الأسلحة الإيرانية إلى روسيا، وكبح الحملة التخريبية التى تشنها طهران ضد ناقلات النفط التى تبحر فى الخليج العربى، مع منع إيذاء العسكريين الأمريكيين والمواطنين فى العراق والشرق الأوسط.
ولفت المراقبون إلى أن تلك الاتفاقية، «التى لم يصرح بها أى من الطرفين علنًا»، تمنح الولايات المتحدة أولًا وقبل كل شىء الاستقرار فى الشرق الأوسط، حيث يمكن لإدارة بايدن الآن التوقف عن الخوف من حرب ستندلع فى المنطقة نتيجة بدء إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة ٩٠٪.
وأشاروا إلى أن هذه الخطوة إن كانت ستحدث فى المستقبل القريب فإنها قد تؤدى إلى هجوم إسرائيلى على منشآت إيران النووية، وهو ما يمكن، حسب تقدير واشنطن، أن يتسبب فى حرب بالشرق الأوسط قد تنجر إليها الولايات المتحدة، فى الوقت الذى تدور فيه الحرب فى أوكرانيا.
ولفتوا إلى أن الولايات المتحدة وحلف الناتو يأملان فى ألا يكون هناك صراع نشط فى العالم يجب أن يشاركا فيه حاليًا، لذا، فعن طريق ذلك الاتفاق ترى واشنطن أنها تجدد مكانتها كقوة رائدة فى الشرق الأوسط، وترد على محاولة الصين إيجاد موطئ قدم لها فى المنطقة، كجزء من المنافسة بين القوى العالمية.
وفى الإطار ذاته، يمكن ربط الزيارة المرتقبة لنتنياهو بشكل مباشر بالتقارير والأنباء المكثفة التى انتشرت فى الفترة الأخيرة عن اقتراب التطبيع بين إسرائيل والسعودية.
ورغم ذلك، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية بأن مسئولين من الولايات المتحدة يقدرون بأن فرصة التوصل إلى صفقة تشمل التطبيع مع السعودية لا تزال منخفضة، وأن الطريق لايزال طويلًا.
ونقلت الصحيفة عن مسئولين أمريكيين كبار قولهم إن فرصة التوصل إلى صفقة التطبيع بين السعودية وإسرائيل، بمشاركة الولايات المتحدة، تبلغ نسبتها ٣٠ إلى ٣٥٪.
وأوضحوا أن الطريق يبدو معقدًا للغاية، لأن هناك سلسلة من القضايا الرئيسية يجب حلها قبل القضية الفلسطينية، التى سيتعين على نتنياهو أن يمنح الفلسطينيين فيها شيئًا لإتمام الاتفاق، مثل وقف البناء فى مستوطنات الضفة الغربية، على سبيل المثال.