القلعة والبحر والسيدة نفيسة
فركت عينى عدة مرات وأنا أتابع فيديو لمغرد من بلد عربى عن موضوع تاريخى.. كان موضوع الفيديو عن افتراض أثرى خطير، وهو أن جبل «سيناء» موجود خارج سيناء! وبالتحديد فى سلسلة جبال فى المملكة العربية السعودية! مبدئيًا لم أشعر بأى ضيق من هذا المغرد.. وإن كنت سألت نفسى «إيه اللى جاب القلعة جنب البحر؟» على طريقة محمد سعد الشهيرة.. وقد أجريت بحثًا سريعًا فوجدت أنه يستند لاجتهاد فردى لعالم ما قال هذا الرأى الغريب ولم ينتبه له الكثيرون.. لكن نشاط هذا المغرد الشاب لفت نظرى لأمر داخلى يخصنا نحن أكثر مما يخص الآخرين.. وهو أن هناك مَن يسعى لتقليل ما لدينا وهو كثير جدًا جدًا.. وأن من يفعل ذلك قد يكون مصريًا بالجنسية، لكنه بالتأكيد ليس مصريًا بالانتماء والأقرب إلى الصحة أنه مصرى خائن.. جنده آخرون لهدم بلده وإفقاد شعبه ثقته بنفسه.. من نافلة القول أن التوراة والقرآن والإنجيل هى التى أخبرتنا بأن موسى عليه السلام ناجى ربه فى سيناء، وأن قومه عاشوا فيها أربعين عامًا، ومن نافلة القول أن جبل التجلى الأعظم من أهم المزارات الدينية فى مصر، وأن الرئيس السيسى أمر بتطوير المنطقة سياحيًا لتصبح مقصدًا سياحيًا عالميًا.. لماذا؟ لأن هناك تنافسًا سياحيًا كبيرًا ستشهده السنوات المقبلة ومن بين محاوره السياحة الدينية.. إن هذا التنافس الذى لا يفسد للود قضية سيجرى بالصدفة مع عدد من الدول الشقيقة فى الشرق الأوسط مثل الإمارات والسعودية والأردن وقطر وغيرها من الدول.. لأن مصر نتيجة سنوات تعطيلها لم تحتل سوى المركز الثالث فى عدد السياح على مستوى المنطقة بعد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.. ومصر أعلنت أنها تستهدف مضاعفة عدد السياح والوصول لرقم ثلاثين مليون سائح خلال خمس سنوات.. وهذا طموح مشروع وأقل مما تستحق دولة بها سدس آثار العالم ولها شواطئ على بحرين وتجمع بين مناخ آسيا ومناخ إفريقيا.. إلخ.. ما علاقة اللجان الإلكترونية للخونة بكل هذا؟ العلاقة وثيقة جدًا.. خذ عندك مشروعًا مثل تطوير مزارات آل البيت.. هذا مشروع يبدو بسيطًا رغم أنه مشروع عظيم.. أولًا هو يكنس تراب نصف قرن من فرض الوهابية على مصر وتعميم ثقافة تجريم زيارة آل البيت وتكفير وتبديع- من البدعة- من يقوم بها لحساب مزارات روحية أخرى وفهم آخر للدين- له كل الاحترام بعيدًا عنا- ثم هو يعمق ميراث مصر الحضارى الضارب فى العمق، لأن هذا البلد خرج منه موسى ولجأ إليه عيسى واحتمت به سلالة محمد صلوات الله وسلامه عليه، لأنه فعلًا بلد الأمن والأمان أو هكذا أراد الله له.. إحياء مزارات آل البيت يعنى من ضمن ما يعنى أن تكون مصر للمسلمين بكل طوائفهم وتنوعاتهم وفرقهم ومذاهبهم، لأننا نرحب بالزائرين دون تدخل فى علاقتهم بربهم تمامًا كما لا نحب أن يتدخل أحد فى علاقتنا بربنا.. إن من شأن تجديد هذه المزارات إذن رفع قيمة مصر فى العالم الإسلامى أكثر مما هى مرتفعة، ومن شأنه إنعاش السياحة الدينية.. فإلى جانب الخمسة عشر مليونًا الذين يأتون لزيارة الشواطئ والآثار الفرعونية قد يأتى لنا مليون أو اثنان أو ثلاثة لزيارة مزارات آل البيت.. بكل تأكيد يزيد هذا من دخل مصر وفرصها فى المنافسة السياحية ويضايق لجان الخونة ومن يدفعون لهم، وهنا تظهر عبقرية الخائن فى التشويه عبر التفاصيل الصغيرة اعتمادًا على عدم تخصص الناس.. فإذا جددت مسجد السيدة نفيسة مثلًا باستخدام الخشب قال إنه كان من الأفضل استخدام الرخام.. وإذا استخدمت الرخام قال إنه كان من الأفضل استخدام الحجر!.. وإذا تم تزيين المسجد باستخدام نقوش أندلسية قال إنه من الأفضل اللجوء للطراز العثمانى.. وإذا استخدمت الطراز العثمانى قال إن العثمانيين كانوا غزاة! فكيف نوجه لهم هذه التحية؟ إلخ وهكذا وفق نظام «دوخينى يا لمونة» اعتمادًا على عدم تخصص المواطن العادى وإلى ميله للنكاية فى أى جهة حكومية لأنه يعتبر الحكومة مسئولة عن كل مشاكله وأزماته، وأن السخرية مما تفعله والتقليل منه هو «أقل واجب» يمكن القيام به إزاء استفزاز بعض الوزراء وانعدام قدرتهم على التواصل مع الناس.. وفى الحقيقة إن كل ما قالته لجان الهاربين عن مسجد السيدة نفيسة هو محض هراء وكذب مدفوع لحساب جهات يزعجها انتعاش السياحة الدينية فى مصر.. المساجد بشكل عام كيان معنوى وليست آثارًا.. أمرنا الله بعمارتها- أى إعادة بنائها- وليس بترميمها.. الحرم النبوى الشريف كان فى زمن البعثة مجموعة حجرات بالجريد تطل على صحن أرضيته من التراب يصلى فيه الناس لا يزيد على عدة أمتار.. فهل كان من المنطقى الإبقاء عليه كما هو؟ بالطبع لا.. لقد هدمت الحجرات وتمت توسعة المسجد عشرات المرات عبر أربعة عشر قرنًا، ويسرى ذلك على مساجد أخرى كبيرة وعظيمة ولكن الجهلة لا يعرفون.. يقول المثل الصينى ليس من المهم لون القط وهل هو أبيض أم أسود.. المهم أن يأكل الفئران.. وبالمثل أنا أقول لا يهمنى طريقة تجديد مزارات آل البيت مادام يقوم بها المتخصصون.. المهم أن تجدد وتطوَر وتضاء وتُلمّع وتزدهر ويأتى لها ملايين الزائرين من كل أنحاء العالم الإسلامى.. وعلى من يضايقه هذا أن يذهب للجحيم.