محافظون وتجارب (13) محافظ الحرب والسلام!
بعض الألقاب يكتسبها أصحابها تكريمًا لهم، وبعضها تكون بمثابة نقد لمسيرتهم وأدوارهم التي لعبوها في مراحل ما من حياتهم، ولقب "الطفل العجزة" الذي لقب به كثير من المشاهير يطلق أحيانًا كنوع من التكريم عندما يحتل شاب صغير منصبًا مهمًا غير معتاد توليته للشباب.
الدكتور عبدالمنعم عمارة من أوائل من لقبوا بهذا اللقب، لبدايته المبكره في تولي المناصب المهمة مع بداية عصر الرئيس السادات حيث عُين عضوًا في مجلس الشعب عن محافظة الإسماعيلية عام 1971، وكان عمره وقتها يقل عن 35 عامًا، ثم رشحه السادات لمنصب محافظ الإسماعيلية عام 1974، عقب انتهاء حرب أكتوبر، ولكن القرار تأجل لتفضيل اختيار قادة الحرب كمحافظين لمدن القناة وسيناء كنوع من التكريم لأبطال الحرب المنتصرين، وتمت إعادة اختيار د.عبدالمنعم عمارة محافظا للإسماعيلية عام 1978، ليصبح أول محافظ شاب يتولى محافظة من أبناء المحافظة نفسها، ويستمر في منصب المحافظ لمدة 12 عاما متواصلة، عمل منهم ثلاثة أعوام مع الرئيس السادات و 9 أعوام في عهد الرئيس مبارك قبل أن ينتقل لرئاسة المجلس الأعلى للشباب والرياضة، ثم وزيرًا للشباب ونائبًا منتخبًا عن حي مدينة نصر.
ولد الدكتور عبدالمنعم عبدالحميد عمارة بمدينة الإسماعيلية في 2يونيو عام 1937، وتخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة من جامعة عين شمس، ثم حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة قناة السويس في عام 1993.
بداية الدكتور عبدالمنعم عمارة كانت مبكرة كلاعب متميز في المنتخب الوطني للكرة الطائرة في الستينيات، ولعب دورا مهما في مساعدة أهالي الإسماعيلية خلال مرحلة التهجير التي أعقبت نكسة يونيو 1967 وتهجير أهالي محافظة الإسماعيلية إلى محافظات الدلتا والصعيد، وكانت هذه المرحلة سبباً في لفت الأنظار إليه، إلى جانب توليه منصب وكيل مديرية الشباب والرياضة بالإسماعيلية، في ذلك الوقت كان المهندس عثمان أحمد عثمان مؤسس شركة المقاولون العرب هو الرجل الأقوى فى المحافظة وكان رئيس اللجنة المؤقتة للنادي الإسماعيلي، وقد أجريت انتخابات مجلس الإدارة عام 1966 بحضور 800 عضو منهم 700 عضو من العاملين بشركة المقاولين العرب وكان قد تمت إضافتهم قبل الانتخابات بساعات، وسددت اشتراكاتهم بشكل جماعي، فاعترض عمارة علي صحة عضويتهم ولكن بعد الضغوط تم الإتفاق على الطعن في الإنتخابات بعد إجرائها، وانتخب المهندس عثمان أحمد عثمان رئيساً لنادي الإسماعيلى بالتزكية.
ورغم صغر سن وحداثة تجربة دكتور عمارة كمحافظ إلا أن تجربته تعد من التجارب الناجحة، ويمكن الاستعانة بالمقولة الشهيرة "له ما له وعليه ما عليه".
فمن الإنجازات التي حققها دكتور عمارة كمحافظ شاب ورياضي متميز هى إنشاؤه الممشى السياحي المسمى إلى الآن بطريق "عمارة السياحي".
كما ساهم في تطوير مدينة فايد ودعم وإنشاء أندية الفيروز وقرية النورس السياحية وقرية الجندول، والإشراف على إنشاء منطقة الشيخ زايد بمراحلها السبع شمال شرق مدينة الإسماعيلية.
وتظل جائزة أغاخان العالمية التي حصل عليها من الأمم المتحدة لنجاحه في تطوير وتنظيم حي السلام الذي يعد أحد أهم المناطق الشعبية في محافظة الإسماعيلية وأكثرها ازدحاماً، هي الأهم من بين عشرات الجوائز التي حصل عليها خلال مشواره العملي والرياضي.
وقد حصلت الإسماعيلية في عهده على العديد من الألقاب العالمية ودخولها ضمن القوائم الأساسية النموذجية فى النظافة والتنسيق وتحولها إلى مصيف ومقصد للسياحة الداخلية للمصريين حتى اليوم.
لكن أخطر ما يميز مرحلة دكتور عبدالمنعم عمارة كمحافظ للإسماعيلية هو وجوده وقت مفاوضات السلام، حيث كان يفضل الرئيس السادات استقبال ضيوفه وعقد لقاءته السرية وقضاء عطلاته الأسبوعية في استراحته على ضفة قناة السويس.
ولم ينس دكتور عبدالمنعم عمارة إنتماءه للنادي الإسماعيلي كإسمعلاوي وكونه رياضيا سابقا، فاستمر في تقديم دعمه للنادي منذ أن كان وكيلاً للنادي، وحتى أصبح رئيساً للمجلس الأعلى للرياضة، فقام بنقل مقره القديم إلى استاد الإسماعيلية الحالي، وإنشاء مدرجات الدرجة الأولى والمقصورة الرئيسية، إضافة إلى إنشاء فندق اللاعبين وإنارة الاستاد وإنشاء مدرسة الموهبين التي تضم حمام سباحة وملاعب للإسكواش.
كذلك اهتم د.عمارة بالعمل على جعل محافظة الإسماعيلية ملتقى ثقافي فأسس مهرجان الفنون الشعبية وملتقى الفكر الإسلامي ومهرجان السينما التسجيلية، وبطولة الصداقة العربية واستضافة بطولات الشركات الرياضية، وإبتكر مهرجان الربيع ومهرجان أميرة الفراولة فوضع الإسماعيلية في بؤرة الحدث وجعلها هدفا للإعلام المصري والدولي.
ويمكن القول إن تجربة "شباب حورس" التي ابتدعها الدكتور عبدالمنعم عمارة ودعمها داخل الجامعات المصرية التي حاولت استلهام تجربة منظمة الشباب في الستينيات واستمرت حتي منتصف السبعينيات كانت آخر حائط صد يمكنه التصدي للسيطرة الإخوانية على شباب الجامعات المصرية، ولكن ودون مبرر اختفت "أسر حورس" بخروج دكتور عمارة من وزارة الشباب عام 1998، وانفردت جماعة الإخوان بشباب الجامعات المصرية لسنوات حتى وصلنا إلى يناير 2011.
أما الانتقادات التي وجهت للدكتور عبدالمنعم عمارة كمحافظ للإسماعيلية فهى كثيرة وترتبط علاقاته بالرؤساء والوزراء في تلك الفترة أهمها تخصيص أراضي لسان الوزراء للشخصيات المهمة في الدولة من وزراء ورجال أمن وفنانين ورجال أعمال.
طالته أيضًا الشائعات سواء بعلاقته بالرئيسين السادات ومبارك أهمها شائعة زواج مبارك من شقيقته، والتي كادت أن تتحول إلى حقيقة عند العامة، ولكن تم نفيها تمامًا وأثبتت الأيام أن قدرات ومواهب خاصة بالدكتور عبدالمنعم عمارة هى ما أهلته لتولي العديد من المناصب المهمة، ويبقي أهم حصاد د. عمارة سيرته عند أهل الإسماعيلية وثلاثة أبناء تخرجوا جميعًا من كلية الهندسة بالجامعة الأمريكية .