الخوف من قوة مصر
فى عالم السياسة لا يقل التحليل أهمية عن المعلومة، ولا يقل الفهم أهمية عن المعرفة، الأسرار كثيرة والمعلن أقل من الخفى بكثير، والراغب فى معرفة الحقيقة يلعب لعبة «البازل» الشهيرة ويضع القطع المتفرقة بجوار بعضها البعض حتى يصل للصورة الكاملة.. على سبيل المثال هل هناك من يخاف من امتلاك مصر مفاعلًا نوويًا سلميًا؟ فى الحقيقة نعم.. هل يؤدى هذا الخوف إلى الضغط الاقتصادى على مصر حتى تؤجل بناء المفاعل كما تفعل منذ عشرات السنوات؟ هذا أمر وارد جدًًا.. بالأمس صرّح نائب فى الكنيست الإسرائيلى بأنه يخشى من امتلاك مصر والسعودية والإمارات السلاح النووى.. إن «دانى دانون» نائب متطرف من حزب الليكود.. وهو كان يعلق للإذاعة على أفكار التطبيع مع السعودية والتى تتضمن السماح للمملكة بتأسيس مفاعل نووى للأغراض السلمية.. إن دانى دانون يقول إن مصر والإمارات أيضًا ستسعيان لامتلاك مفاعلات نووية للأغراض السلمية وإنه من السهل جدًا- حسب تصريحه- أن تتحول الأغراض السلمية إلى أغراض غير سلمية كما حدث من قبل فى حالات أخرى.. إن «دانى دانون» كما يبدو من تصريحه لا يعرف التاريخ جيدًا.. إن مصر ليست فى حاجة لأن تبنى دولة شقيقة مفاعلًا نوويًا حتى تدخل فى هذا المضمار الهام.. لقد دخلنا بالفعل هذا المجال منذ الخمسينيات وأسسنا مفاعل أنشاص النووى التجريبى، وأسسنا فى كلية الهندسة قسمًا للهندسة النووية كان من خريجيه د. يحيى المشد الذى قتله الموساد فى باريس أثناء سفره فى مهمة عمل تابعة لدولة عربية شقيقة، وقبله كانت لدينا د. سميرة موسى التى ماتت فى حادث غامض عام ١٩٥٢ فى الولايات المتحدة الأمريكية.. أقصد أن أقول إن مشروع المفاعل النووى المصرى عمره عشرات السنين وقد تعطل فى الستينيات بسبب النكسة ثم تعطل بعد ذلك بفعل التقاعس والخوف من خوض أى مشاريع كبرى تستطيع أن تنقل الحياة فى مصر.. وكان آخر الفصول قبل يناير ٢٠١١ هو ضغط لوبى رجال الأعمال كى ينقل المفاعل النووى من مكانه فى الضبعة بحجة استخدام الأرض لأغراض سياحية.. منذ تولى الرئيس السيسى دخلت مصر فى مراحل جادة لبناء المفاعل ومدينة الضبعة من حوله.. وتم توقيع اتفاقية مع روسيا تشمل التمويل والخبرة الفنية.. وآخر الأخبار نشرته «اليوم السابع» بالأمس ويقول إن العمل سيبدأ فى بناء المفاعل باستثمارات ٢٨ مليار دولار.. هذا المفاعل ضرورى جدًا للتنمية فى مصر لأنه يضمن لنا كهرباء بلا حدود دون حاجة لاستخدام الوقود التقليدى مثل الغاز أو المازوت، وبالتالى لن نكون تحت رحمة السوق العالمية أو احتياطيات الغاز، ولن ننتظر المازوت من هذه الدولة أو تلك.. الكهرباء التى يولدها المفاعل النووى هدفها الأساسى تشغيل آلاف المصانع التى لا تحدث ثورة صناعية فى بلد بدونها.. للطاقة النووية مئات الاستخدامات المفيدة غير توليد الكهرباء ونحن نحتاجها كلها للحفاظ على مكاسب مصر وهيبتها ولإرهاب أعدائها، والأهم أن العالم لا يعترض على امتلاك مصر مفاعلًا نوويًا للأغراض السلمية، حيث هى جزء من ترتيبات الأمن فى الإقليم والعالم بحكم رسوخ قوة جيشها ومؤسساتها.. إن كل هذه الحقائق تكشف عن قلة معلومات النائب الإسرائيلى.. إن بعض سيئى النية قد يقولون إن وضع مصر مع دول شقيقة مثل الإمارات والسعودية فى مضمار السباق النووى أمر مقصود من عضو الليكود الخبيث.. وإنه ربما يشير من طرف خفى إلى سبب توقف بعض الأشقاء عن مساندة مصر ماليًا لأنهم لا يستسيغون سعيها لأن تكون قوية بشتى الطرق، ومن بين هذه الطرق امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية.. إن البعض يظن أنه لكى يساعد دولة ما فإنها يجب أن تظل راقدة على فراش المرض.. وأن تكون مساعداته لها أشبه بالمحلول الملحى الذى يوضع للمريض لكى يبقيه فقط على قيد الحياة إلى أن يقضى الله أمرًا كان مفعولًا.. لقد كانت أوروبا تفعل هذا مع الدولة العثمانية مثلًا قبل سقوطها.. كانت تسميها رجل أوروبا المريض، ومع ذلك كانت تحرص جدًا على أن تبقى على قيد الحياة وهى مريضة.. لأن المنافس المريض خير ألف مرة من المنافس القوى.. وربما يفسر لنا هذا سر الهجوم المكثف على الدولة المصرية وعلى الرئيس السيسى شخصيًا قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.. بشكل شخصى أظن أن سعى النائب الإسرائيلى للوقيعة بين الدول العربية سيخيب وأن تقديره خائب، وأظن أننا سنشهد البدء فى المفاعل النووى المصرى خلال أسابيع قليلة شاء من شاء وأبى من أبى.