كتب الشوارع.. مين بيعلم مين؟
فى مطلع ثمانينيات القرن الماضى بدأت ظاهرة شرايط الكاسيت المضروبة، واستمرت سنوات.. صرخ المنتجون وفشلت جهات الرقابة فى محاصرة الظاهرة التى كنا نسميها إمبراطورية العتبة.. ولا أظن أن أحد أبناء جيلى لم يجرب اقتناء هذه الألبومات الرخيصة التى فرضها السعر الغالى للشريط الأصلى. وانتهى عصر الكاسيت إلى غير رجعة ومضروب.
وانتقلت الظاهرة إلى الكتب.. وعرفنا الكتب المضروبة، ولا نزال، هربًا من الأسعار العالية للكتب الأصلية.. وكما حدث فى سوق الكاسيت يحدث فى سوق الكتب فى انتظار أن يختفى كلاهما، الأصلى والمضروب، بعد أن أصبح الحصول على الكتاب فى نسخته الديجيتال أسهل وأرخص.. الجديد فى الأمر هو الكتب التعليمية أو ما نسميه الكتب الخارجية، التى أصبحت بديلًا لا غنى عنه للكتاب المدرسى.
غيّرنا بعض المناهج وهذا أمر حسن لا شك.. وكل عام نقوم بتغيير ما فى منهج ما.. وعرفنا التابلت وبنك المعرفة، لكننا لم نستطع التخلص من سطوة المدرس الخصوصى، وبالتالى الكتاب الخارجى.. لأسباب غير مفهومة.. أو ربما مفهومة لكننا لا نستطيع التعامل معها.
لم ننته من دوشة الثانوية والمجاميع ومراحل التنسيق بعد.. حتى بدأت رحلة البحث عن كتاب.. رحلة مرهقة ومستفزة مع أسعار مفتعلة وغير معقولة.
أى كتاب خارجى لأى مرحلة دراسية يتجاوز سعره الخمسمائة جنيه.. والأغرب أنه غير موجود ويتم حجزه بالواسطة.. كل هذا يحدث قبل بداية العام الدراسى بأشهر.. يعنى قبل ما نعرف كتب الوزارة فيها إيه من أصله.. لكن مافيا الدروس الخصوصية التى حددت مواعيد بداية عملها أول هذا الشهر.. هى التى تحدد ماذا سيتعلم أولادنا فى عامهم الجديد.. وفى أى كتاب يجدون ما سيتم تدريسه لهم.
أفهم أن هناك فارقًا كبيرًا فى سعر الورق ومستلزمات الطباعة.. لكننى لا أفهم لماذا يصر المدرسون على استعمال هذه الكتب من الأصل؟.. هذا السعار وهذه الفوضى وهذا اللهاث فى هذه السوق الذى فرض نفسه جبرًا لا يشبه سوق الكتب العادية أو سوق الكاسيت.. هذه الملايين المهدرة بلا داع مستقطعة من ميزانيات بيوت تعانى من الأصل، لكنها لا تجد لأولادها سبيلًا آخر.. هذه الدورة الجهنمية لا فكاك منها.. رجال رضا حجازى مشغولون بشكاوى وتظلمات ضحايا الثانوية.. أصحاب المدارس الخاصة مشغولون بجمع أكبر قدر ممكن من فلوس الآباء للعام الدراسى الجديد ودون أى معايير أو تدخل من الوزارة.. لم يعد أمام الخلق أى باب للهروب.. والحق احجز الكتب وأنت ساكت.. ملايين الجنيهات المحروقة فى كل المراحل الدراسية لشراء كتب غير معلوم مَن وضع مناهجها.. وهل للوزارة أى إشراف على هذه الكتب ومحتواها؟.. لا أحد يعرف.. فقط المدرسون يطلبون وأولياء الأمور يلهثون خلف سماسرة الكتب فى الفجالة.. هى بداية غير مبشرة على الإطلاق لموسم دراسى مقبل.. فهل تتدخل الوزارة وتعلن بشكل واضح موقفها من هذه الكتب ومن مافيا الدروس التى لم تعد فى متناول أهلنا فى الريف أو فى الحضر..