الولاية الأمريكية الأفقر!
مقال طريف، وصادم، كتبه دانيال هانان، Daniel Hannan، فى جريدة الـ«ديلى تليجراف» أكد فيه أن بريطانيا صارت «دولة فقيرة»، وستقع فى آخر ترتيب الولايات، لو كانت ولاية أمريكية، وطالب السياسيين البريطانيين، الذين يتشاجرون حول المساواة بين الجنسين والسِّمنة وحقوق المتحولين جنسيًا، بألا يهتموا إلا بسؤال واحد فقط، هو «لماذا نتخلّف عن كل الاقتصادات المتقدمة؟»، لافتًا إلى أن المشكلة ليست فى أن هؤلاء السياسيين يرفضون اعتبار تراجع بلادهم تحديًا، بل فى تعاميهم عن هذا التراجع!
المواطن الأمريكى العادى أكثر ثراءً وأكثر إنتاجية عن نظيره البريطانى، بحسب «هانان»، الذى نقل عن الخبير الاقتصادى سام بومان أن «الأمريكيين لو توقفوا عن العمل فى ٢٢ سبتمبر من كل عام، سيظلون أكثر ثراءً من البريطانيين الذين يعملون طوال العام». وبعد أن حذر الكاتب البريطانى من خطورة استمرار انزلاق أو انهيار اقتصاد، أوضح أن أسباب فقر بلاده تعود إلى مارس ٢٠٠٩، عندما زاد بنك إنجلترا المركزى كمية الأموال المتداولة بنحو ٥٠٪، لافتًا إلى أن ذلك أدى إلى تسارع انخفاض قيمة العملة، وارتفاع الإنفاق الحكومى والاقتراض. كما أشار إلى أن أسعار المنازل ارتفعت بنسبة ٤٥٠٪ منذ سنة ١٩٧١، أى بمعدل أعلى من كل الدول الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
بريطانيا «ليست فى حالة تراجع مُدار، بل على وشك السقوط من منحدر»، بتعبير شيريل جاكوبس، Sherelle Jacobs، التى اتهمت السياسيين، فى مقال نشرته الجريدة البريطانية نفسها، بأنهم جبناء للغاية، ولا يمكنهم فرض العلاج المعقد، متعدد المراحل، والمؤلم بطبيعة الحال، بينما تقف بريطانيا على حافة المنحدر، بسبب الحالة المزرية للاقتصاد، الذى كان فعليًا فى حالة غيبوبة طوال الخمسة عشر عامًا الماضية.
الوضع أكثر سوءًا مما وصفه «هانان» و«جاكوبس»، إذ سبق أن دعا عدد من أعضاء مجلس العموم «البرلمان»، إلى استحداث وزارة لـ«الجوع»، يكون هدفها مواجهة مشكلة انعدام الأمن الغذائى. ومنتصف ديسمبر ٢٠٢٠، شن حزب العمال، الذى يمثل قوة المعارضة الرئيسية، هجومًا شرسًا على الحكومة، معتبرًا أنه «من المخجل» أن تقوم الـ«يونيسف» بإطعام آلاف الأسر الفقيرة فى المملكة المتحدة. وقالت أنجيلا راينر، نائبة رئيس الحزب: «ما كان ينبغى أبدًا أن نصل إلى هذه المرحلة.. ما كان ينبغى على أطفالنا أن يعتمدوا على منظمات إنسانية، اعتادت العمل فى مناطق الحروب وفى أعقاب الكوارث الطبيعية». وكنا قد توقفنا، فى مقال سابق، عند تقرير صادم نشرته هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» أكد أن بعض النساء فى بريطانيا اضطررن إلى العمل فى «الدعارة» بسبب عدم كفاءة نظام الضمان الاجتماعى.
قبل أن تنشر «بى بى سى» تقريرها، كان النائب فرانك فيلد قد أثار الموضوع فى مجلس العموم «البرلمان البريطانى»، وردت عليه وزيرة العمل بأن «هناك ٨٣٠ ألف فرصة عمل متاحة للراغبين»، غير أن خمس مؤسسات خيرية، أكدت أن عددًا متزايدًا من النساء اللائى يعتمدن على نظام الضمان الاجتماعى يلجأن إلى بيع أجسادهن، وقالت أنجيلا ميرفى، المسئولة عن منظمة خيرية مهتمة بشئون النساء، إن «هذا الوضع بات مألوفًا» وأن «بعض النساء يعتقدن أن الحل السريع يكون بممارسة الجنس بشكل مؤقت، للحصول على نقود، لكنهن يتورطن على المدى البعيد». ولم يلفت نظرنا فى تصريحات متحدث باسم مؤسسة «تنمية العمل ونظام التقاعد» غير تأكيده أن «الحكومة ملتزمة بمعالجة الاستغلال المرتبط بالدعارة»!
.. أخيرًا، واستنادًا إلى بيانات رسمية، مشكوك فى صحتها، أو دقتها، زعمت وكالة «رويترز»، أمس السبت، ونقلت عنها صحف ومواقع إلكترونية عربية، أن الاقتصاد البريطانى فاجأ الأسواق «بتحقيق أقوى نمو فصلى، منذ ما يزيد على عام»، ورأت أن ذلك «يشير إلى مروره بسلام حتى الآن من عاصفة ارتفاع تكاليف الاقتراض». وذكرت الوكالة أن ريشى سوناك، رئيس الوزراء البريطانى، يراهن على الانتعاش الاقتصادى، لتعزيز شعبية حزب المحافظين، الذى يترأسه، قبل الانتخابات العامة المقرر إجراؤها أواخر العام المقبل!