أزمة الكهرباء.. الآن ومستقبلًا
الإجراءات التى اتخذتها الحكومة للتغلب على أزمة الكهرباء الحالية، أو لمنع تكرارها مستقبلًا، جرت مناقشتها، فى اجتماع عقده الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأول الخميس، مع الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، والمهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، فى إطار متابعة الرئيس المستمرة ملف تأمين احتياجات المواطنين، والأنشطة الاقتصادية، من الكهرباء، بشكل مستدام وثابت، ووضع سيناريوهات متعددة للتعامل مع الاحتمالات المختلفة.
سبب الأزمة الحالية، باختصار، هو نقص الوقود. وفى مواجهتها، قيل خلال الاجتماع إنه جرى تنسيق كامل بين وزارتى الكهرباء والبترول، منذ اللحظة الأولى، لتوفير الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء وتمكينها من مواصلة عملها فى ظل ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، الذى استلزم كميات أكبر بكثير من الوقود للحفاظ على القدرات الإنتاجية للمحطات، فى الوقت الذى زاد فيه الطلب العالمى على الوقود من دول عديدة، تتعرض للظروف ذاتها، على نحو فاقم المشكلة وأدى إلى حتمية اتباع سياسة مؤقتة لتخفيف الأحمال وترشيد الاستهلاك، مع مواصلة الحصول على الوقود الإضافى اللازم وتوفير الموارد المالية المطلوبة لذلك.
فى هذا السياق، أكد الرئيس السيسى حرص الدولة على التصدى لأى مشكلات أو أزمات تواجه المواطنين، وحلها على مستويين، الأول يتعامل مع الظروف الطارئة والعاجلة، والثانى يتضمن حلولًا جذرية وهيكلية تضمن منع تكرار المشكلات مجددًا. وعليه، وجّه الرئيس الحكومة بمواصلة العمل المكثف لاحتواء الأوضاع الحالية، وتخفيف الأعباء عن المواطنين، فى أسرع وقت ممكن، مع تعزيز جهود ومسارات تعظيم العائد والقيمة المضافة من مشروعات الكهرباء والطاقة، ما يوفر الموارد المطلوبة للتعامل مع جميع الاحتمالات، فى ظل التقلبات الدولية المستمرة، على المستويات السياسية والاقتصادية والبيئية.
الواقع يقول إن المشروعات والاستثمارات الضخمة، التى تم إنجازها فى قطاع الكهرباء، خلال السنوات القليلة الماضية، ضاعفت إجمالى القدرات الإنتاجية من ٣٠ جيجاوات إلى حوالى ٦٠ جيجاوات، ودفعت مصر ٤٤ مركزًا فى مؤشر جودة إمدادات الكهرباء، بتقرير التنافسية العالمية سنة ٢٠١٩، وأتاحت توفير التيار الكهربائى بثبات واستمرارية، طوال ثمانى سنوات تقريبًا، فى جميع أنحاء الجمهورية، سواء لتلبية احتياجات المواطنين أو لمشروعات التنمية المنتشرة على امتداد الوطن. ومع كل ذلك، يشير بعض التوقعات إلى أن الأزمة الحالية قد تتكرر مجددًا، فى السنوات المقبلة، لو استمر الاعتماد على المصادر الحرارية، البترول أو الغاز، فى تشغيل محطات الكهرباء. إذ إن نسبة الطاقة الكهربائية المولدة من المصادر المتجددة، سواء المائية أو من الرياح أو من الطاقة الشمسية، لا تزيد على ١٢٪ فقط!
من هذا المنطلق، أو فى مواجهة هذه التوقعات، أو الاحتمالات، وجّه الرئيس، خلال اجتماع الخميس، بتعزيز خطط زيادة إنتاج الطاقة المتجددة وتعظيم قيمتها، لتنويع مصادر الطاقة، بالشراكة مع القطاع الخاص وأعرق الخبرات الدولية فى هذا المجال. وما قد يطمئن هو أن الدولة المصرية تعمل بدأب، منذ سنوات، على التوسع فى الاعتماد على الطاقة المتجددة، ونرى أن البرنامج الوطنى للاستثمارات الخضراء فى مشروعات المياه والطاقة والغذاء، «نوفى»، يسهم بفاعلية فى التصدى لتحديات ومعوقات التنمية الشاملة والمستدامة. كما أن محفظة التعاون الإنمائى لمصر مع شركاء التنمية، الثنائيين ومتعددى الأطراف، تضم أكثر من ٣٠٠ مشروع، جرت مطابقتها مع أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ونسختها الوطنية «رؤية مصر ٢٠٣٠»، وتتبنى رؤية مشتركة تجاه القضايا السياسية والاقتصادية والبيئية.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الأهداف الـ١٧، التى حدّدها العالم، أو ما يوصف بالمجتمع الدولى، لتحقيق التنمية المستدامة بحلول سنة ٢٠٣٠، باتت «فى خطر»، بحسب تقرير تقييمى أصدرته الأمم المتحدة، الشهر الماضى، شدّد على أن تلك الأهداف «تتلاشى فى مرآة الرؤية الخلفية»، وقد تتحول إلى «نقش تذكارى»، بسبب الظروف الدولية الاستثنائية، السابقة والراهنة، والأزمات التى تزايدت تعقيدًا مع اندلاع الأزمة الأوكرانية فى أعقاب وباء كورونا، وما ترتب على الأزمتين، أو الكارثتين، من تأثيرات سلبية.