فلسفة التغيير فى المتحدة
قرارات التعيين الأخيرة فى الشركة المتحدة تستدعى وقفة جادة.. يمكن القول إنها داعية للتفاؤل ودليل على أن أشياء كثيرة جدًا تسير فى الطريق الصحيح.. لو نحيت جانبًا العواطف الشخصية تجاه زملاء أعزاء تربطنى بغالبيتهم أواصر المودة والعشرة الطويلة التى قاربت عمرًا كاملًا، فإن النظرة الموضوعية تدفع للتفاؤل الشديد واستبشار الخير.. الموضوعية هى أن نفصل ذواتنا عن الحدث ونحكم عليه بعيدًا عن مشاعرنا الشخصية وتفضيلاتنا العاطفية.. هذه النظرة الموضوعية تجعلنى أصف هذه القرارات الجديدة فى مجملها بأنها أكثر من رائعة لأنها عبرت عن عدة قيم طالما ناضلت شخصيًا ومعى آلاف من أجلها.. وأولى هذه القيم هى قيمة التغيير وتجديد الدماء ومنح الفرصة لآخرين كى يتولوا موقع المسئولية وأن يتقبلوا هم أيضًا أن أجيالًا أحدث ستحل محلهم بعد أن يقدموا أفضل ما لديهم.. لقد كانت إحدى مشاكل الصحافة المصرية أن رؤساء التحرير فى الصحف القومية ظلوا فى أماكنهم ربع قرن كامل.. كانوا صحفيين جيدين لأنهم تربوا فى الخمسينيات والستينيات.. لكنهم عندما غادروا حدث انكشاف مهنى كامل.. لأنهم لم يقوموا بتربية كوادر بديلة عن عمد.. رغم وجود مئات المواهب العظيمة فى المؤسسات.. الشركة المتحدة تديرها عقلية تعى ذلك جيدًا وتعمل وفق أسلوب علمى مدروس.. وفى كل موقع وصحيفة وقناة هناك نظرة على الصف الثانى والثالث والرابع ومتابعة موضوعية للعناصر المتميزة.. الأمر أشبه بسباق جرى.. يخرج البعض فى منتصف السباق.. ومن يحافظ على لياقته وقدرته على الجرى يفوز بالجائزة.. وإلى جانب قيمة «التغيير» هناك أيضًا قيمة تمكين المرأة.. حيث تولت زميلتان من أفضل الناس مناصب قيادية فى أكبر موقع وأكبر قناة تابعتين للشركة المتحدة.. هذه رسالة لملايين الفتيات اللاتى يتم إقناعهن بأنهن لا يصلحن للعمل أساسًا، فضلًا عن أن يصبحن مديرات وقائدات.. هذه رسالة للسيدة التى تعتقد أن من حق مندوب التوصيل أن يمارس عليها «الحسبة» ويراقب ثيابها.. هذه رسالة للمرأة المصرية التى تم إقناعها منذ السبعينيات بأنها عورة وأن مشاركتها فى بناء المجتمع حرام دينيًا واجتماعيًا.. قدر وسائل الإعلام أنها تحت دائرة الضوء والرسائل فيها تصل بسرعة.. لذلك أنا مع مزيد من التعيينات للنساء فى وسائل الإعلام مع تأكيدى على أن الزميلتين اللتين تم تعيينهما من أكبر الخبرات الإعلامية وأن اختيارهما أساسه الكفاءة المهنية قبل أى شىء آخر.. إلى جانب قيمة «التغيير» المطلوب لتجديد الدماء، و«تمكين المرأة» كرمز لملايين النساء اللاتى أجهضت أحلامهن بفعل فاعل خلال خمسة عقود مضت هناك أيضًا قيمة «تمكين الشباب».. هناك فرص أتيحت لجيل جديد فى أواخر الثلاثينيات وبداية الأربعينيات.. وهذا كان من قبيل المعجزات فى «الجمهورية القديمة» التى كان يمكن وصفها بأنها كانت نوعًا من «حكم الشيوخ»، التى كانت تنظر لأى شخص دون الستين على أنه ما زال صغيرًا وأن الزمن ما زال ممتدًا أمامه ليحقق أحلامه بعد الستين! وقد أدى هذا لعيوب قاتلة وأضاع أحلام ملايين المصريين فى كل المجالات وأدى فى النهاية لسقوط الدولة المصرية بالسكتة القلبية بعد أن عانت طويلًا من الجلطات وأمراض الشيخوخة، وبالتالى فتمكين الشباب أمر رائع حيث تتاح الفرص.. وتوفر الظروف لاستكمال المهارات.. وهذا أمر أكثر من مهم فى دولة ٦٥٪ من سكانها تحت سن الشباب.. وهو دليل على وعى صانع القرار وقراءته الدقيقة لمجتمعه.. هناك أمر رابع أعرفه كصحفى يؤمن أن عليه أن يقترب من السلطة بالدرجة التى تتيح له أن يعرف المعلومة.. وأن يبتعد بالدرجة التى تتيح له أن يفكر فيما عرف بحرية واستقلال.. هناك أمر خامس أكثر روعة من كل ما سبق، ويكشف عن عقلية صانع القرار فى الشركة المتحدة وعن العقلية التى تحكم مصر أيضًا.. وهو أن عددًا لا بأس به من الذين تولوا مناصب قيادية اصطدموا فى مراحل ما بالشركة المتحدة نفسها نتيجة لخطأ من هذا الطرف أو ذاك.. أو لسوء فهم من هذا الطرف أو ذاك.. أو ربما لسعى طرف ما بالشر بين الناس.. لكن العقلية السياسية هى التى تؤمن بالاستيعاب، وبعدم شخصنة الأمور، وبعدم الحكم على الناس بالسمع دون اختبارهم ودون منحهم الفرصة ليشرحوا أنفسهم.. هى نفسها العقلية التى تؤمن بالحوار على أرضية المصلحة الوطنية، وبأن مصر ليست حكرًا على فصيل بعينه، وأن الفرصة متاحة لكل مصرى مخلص كى يخدم بلده ما دام مخلصًا لتراب هذا الوطن.. هذه العقلية التى تجمع ولا تفرق.. وتنصف ولا تظلم، وتحول الخصوم إلى جنود فى معركة البناء.. تستحق التحية وتدعو للتفاؤل رغم كل الظروف التى يمكننا أن نغيرها معًا بإذن الله.