هل تصل "قمة جدة" إلى اتفاق بشأن الأزمة الأوكرانية؟.. خبير يُجيب
انطلق، منذ قليل، اجتماع الأمن الوطني في مدينة جدة السعودية، لعدة دول بشأن الأزمة الأوكرانية.
وفي هذا السياق، قال الدكتور أشرف الصباغ الباحث السياسي والمتخصص في الشأن الروسي، من المشكوك فيه أن يخرج مؤتمر جدة الذي تشارك فيه 30 دولة على مستوى رؤساء ومستشاري الأمن القومي بقرارات أو حتى بتوصيات، فهو الدورة الثانية، بعد دورة كوبنهاجن التي عقدت في الشهر قبل الماضي، من عملية حشد معقدة وطويلة للمجتمع الدولي بهدف السعي أولا إلى حل المشاكل والتداعيات الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا حتى يمكن الانتقال إلى خطوة جديدة بشأن التسوية السياسية المرتبطة حصرا بخطة الرئيس فلاديمير زيلينسكي للسلام.
وأضاف الصباغ في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن موسكو تراها خطوة غير مجدية لأنها تمت بدون مشاركة روسيا أو دعوتها، كما أنها لا توافق على خطة زيلينسكي للسلام وتعتبرها خيالية وغير معقولة، ولا يمكن أن تتحقق بأي حال من الأحوال، أما واشنطن فترى أن اجتماع جدة، ومن قبله اجتماع كوبنهاجن، ليسا مفاوضات سلام، ولا تتوقع منهما نتائج محددة وملموسة، وترى أيضًا أنها فرصة لحشد دعم المجتمع الدولي من أجل نقاش جاد ومثمر لخطة زيلينسكي للسلام وكيفية تفعيلها، وهناك طموحات لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن تظهر عبر هذه اللقاءات والاجتماعات آلية معينة للتعامل مع عدة مسارات، من بينها أمن الغذاء، وأمن الطاقة، وإعادة الأمن إلى الممرات البحرية الدولية، وتبادل الأسرى بين موسكو وكييف، ومشاكل الأمن البيئي وفي نهاية المطاف تشكيل محكمة لجرائم الحرب، وربما أيضًا وضع خطط لإعادة إعمار أوكرانيا.
وأوضح الصباغ أن اجتماع جدة يمتلك أهمية استثنائية في إطلاق هذه الآلية التي لن توقف الحرب في أوكرانيا بين يوم وليلة، ولكنها ستكون خريطة طريق فعالة لوقف تداعيات هذه الحرب، سواء في مجالي الغذاء والطاقة، أو في كبح جماح حالة الفوضى التي نتجت عنها، والتي نراها الآن في بعض الدول الإفريقية، وربما أيضًا في السودان بدرجة ما، نظرًا لتعويل أحد طرفي النزاع هناك على عصابات "فاجنر" الروسية، ولا يمكن استبعاد ظهور أزمة خطيرة في موضوع الهجرة غير الشرعية على غرار ما قامت به بيلاروس قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا بعدة أشهر، وسوف يتم استخدام سلاح الهجرة غير الشرعية إن عاجلًا أو آجلًا من جانب روسيا وبيلاروس مرة أخرى.
وتابع الصباغ: "تشارك في اجتماع جدة دول متنفذة لديها القدرات الاقتصادية والمالية والعسكرية التي تؤهلها بالفعل لأداء دور مهم وتاريخي في إنهاء الحرب في أوكرانيا على المديين المتوسط والبعيد، ومنع تضرر دول بعيدة عن النزاع، وعلى رأسها دول قارتي إفريقيا وأمريكا اللاتينية غير أن المهم هنا، هو انفتاح جميع دول مجموعة بريكس ومشاركتها، ما عدا روسيا، وبالتالي، فإن انحراف دول بريكس أو التعامل بمعايير مزدوجة مع اجتماع جدة، يمكنه أن يفشل ليس فقط الاجتماع، بل ويفسد أي أمل في أي آلية مقبلة، ومن جهة أخرى، في حال سعت دول بريكس إلى أداء دور تسويفي، فسوف يحدث انقسام في بريكس، لأن مصالح الصين والهند ستتضارب، ومصالح جنوب إفريقيا وروسيا ستتناقض، كما أن بقية الدول الأخرى المتنفذة يمكنها أن تعالج الأمر بتحييد دول بريكس التي ستلعب دورًا سلبيًا.
وأكد الصباغ أن هذا الاجتماع لن يخرج بأي نتائج يمكن تحقيقها على أرض الواقع، ولا أحد ينتظر أصلًا الخروج بأي نتائج ولا يسعى أحد لمواجهة روسيا في هذه الاجتماعات أو فتح نقاش معها، لأن موسكو في الواقع، أعلنت موقفها الرافض تمامًا لخطة زيلينسكي للسلام، وعدم وقف الحرب إلا بعد تحقيق كامل أهداف عملياتها العسكرية، وعدم إعادة أي أراض إلى أوكرانيا وبالتالي، فالأهم الآن هو وضع حدود للمشهد العام، وتحديد البوصلة نحو تشكيل آلية تعمل بانتظام وفاعلية لحل التداعيات والمشاكل والأزمات الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا.
ولفت الصباغ إلى أن روسيا منزعجة للغاية، وتشعر بالمؤامرة بل تتحدث عنها صراحة، وتوجه بعض الاتهامات للدول المشاركة في اجتماع جدة، بأنها لا تعي ما تفعل ولا تقدر حجم المخاطر، وهذا شكل من أشكال التهديدات المبطنة ولكن موسكو في الحقيقة في موقف لا يسمح لها بإملاء أي شروط، أو توجيه أي تهديدات، لأن أزمتي الحبوب والطاقة يمكن أن تجدا حلولًا ضمن الآلية المرتقبة، وبالتالي، ليس أمام روسيا إلا نقل الأزمة الحقيقية والمشاكل الناجمة عنها إلى مستويات إعلامية ودعائية، وإثارة المزيد من الفوضى الإعلامية والبروباجندا، وتعطيل المحافل الدولية وتبديل أولوياتها وإشغالها بالتاريخ والجغرافيا وإبادة الهنود الحمر وحرب فيتنام، والسعي أيضًا لدق الأسافين بين الدول وبعضها البعض، وفي داخل الدول أيضًا.
الصباغ: من المتوقع أن تواصل روسيا مغامراتها العسكرية في أوكرانيا
وأضاف الصباغ، أن الأخطر والمتوقع هو أن تواصل روسيا مغامراتها العسكرية في أوكرانيا، وتوسع من عملياتها كما نرى في الأسابيع الأخيرة في وسط وغرب أوكرانيا، وحصار الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، وتوريط بيلاروس في مشاكل غير محمودة العواقب، واستخدام مينسك كمخلب لاستفزاز بولندا ودول المحور الشرقي لحلف الناتو.
وأكد الصباغ أن رد روسيا سيكون سريعًا وغير متعقل، سواء على مستوى التصريحات والبروباجندا، أو على مستوى التصعيد العسكري العملياتي في أوكرانيا وإطلاق التهديدات في اتجاه حلف الناتو، وقد تصل تهديدات روسيا المبطنة إلى الدول التي ستشارك في آلية حل أزمة الغذاء والحبوب والطاقة، وهو ما سيدخل العالم مجددا في طور مزعج ومخيف من المواجهة، وعلى الجانب الآخر، فإن 30 دولة، من بينها على الأقل 20 دولة متنفذة اقتصاديًا وماليًا وعسكريًا وأمنيًا، قادرة على إدارة هذه الفوضى للحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين إلى أن تتم تهيئة الأوضاع لحوار مثمر مع موسكو.