تحديات جديدة أمام مصر
من ضمن التحديات التى تواجهها مصر فيما بعد ٢٠١١ تفتت النظام الإقليمى العربى وإعلان موته إلى غير رجعة بعد ضربات قاصمة لحقت به فى ١٩٩١ وغزو العراق الكويت وبعد ٢٠٠٦ وخروج سوريا من التحالف الثلاثى مع مصر والسعودية.. ورغم مظاهر التضامن بين مصر ودول الخليج العربى بعد يونيو ٢٠١٣ إلا أن ذلك كان بفعل الخوف من عدم استقرار مصر وأثر ذلك على الداخل الخليجى وعلى أمن الدول الخليجية بأكثر منه استجابة لقناعة بالعروبة أو بوجود تكتل عربى موحد يواجه القوى الإقليمية الأخرى فى المنطقة.. ولعل آخر تجليات وفاة النظام العربى وموته الأبدى كانت سلسلة اتفاقات إبراهيم وفتح خطوط التطبيع مع أكثر من دولة عربية.. لكن الخطوة الأكبر والأكثر تأثيرًا هى التى تتحدث عنها الصحافة الأمريكية بكثافة هذه الأيام والخاصة بوساطة أمريكية للتطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ذات الرمزية الإسلامية الكبرى وأرض الحرمين الشريفين، التى اكتسب حكامها التاريخيون قيمتهم من إعلانهم ضرورة الدفاع عن الأقصى وأعلن بعضهم عن أن حلمهم الشخصى هو الصلاة فيه ولو لمرة واحدة.. تكتسب هذه المفاوضات أهميتها من الوزن الاقتصادى الكبير للمملكة وانعكاس الاستثمارات السعودية فى إسرائيل على مزيد من القوة العسكرية والسياسية لهذه الدولة التى لم يتقبل ملايين العرب والمسلمين وجودها بينهم لأسباب عاطفية ووجدانية وتاريخية لا تخفى على أحد.. حسبما تنشره الصحف الأمريكية فإن اتفاق تطبيع ثلاثى بين المملكة والولايات المتحدة وإسرائيل يمكن أن يكون طوق نجاة للرئيس بايدن فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وربما يعتبر بمثابة إنجاز تاريخى له.. فضلًا عن أن اتفاقًا مثل هذا سيكون بمثابة دعم سياسى واقتصادى كبير لحكومة بنيامين نتنياهو الذى سينسب له أنه استطاع اجتذاب مليارات الدولارات عبر التطبيع مع دولة إسلامية كبرى وقوة اقتصادية عظمى فى الشرق الأوسط.. حسب الصحافة الأمريكية فقد وضعت المملكة شروطًا للتطبيع مع إسرائيل، منها السماح للمملكة بتخصيب اليورانيوم وإنشاء المفاعلات النووية التى تراها ضرورية لها.. فضلًا عن توقيع اتفاق دفاع مشترك مع أمريكا على غرار ميثاق حلف الناتو يُلزم أمريكا بالتحرك حال وقوع اعتداء على المملكة التى تتعلق بها قلوب ملايين المسلمين.. لكن الحقيقة أن أهمية المملكة العربية السعودية ورمزيتها التاريخية قد تكون هى العائق الذى يمنع إنجاز هذا الاتفاق.. فعلى مستوى العالم الإسلامى من الوارد أن يشعر عشرات الملايين بالصدمة من إقدام حكومة خادم الحرمين الشريفين على توقيع اتفاق تطبيع علنى مع إسرائيل.. وعلى مستوى الداخل فإن القوى المتطرفة وهى فى حالة كمون قد تستخدم هذا الاتفاق بإثارة المشاعر وتحقيق المكاسب، حيث عادة ما تشعر الشعوب بالصدمة فى حالة الانعطافات التاريخية الكبرى، وفى مصر فقد استغل الإرهابيون ذلك الشعور وجندوا من استطاع اغتيال الرئيس السادات رحمه الله.. بل إن إسرائيل نفسها قد شهدت إقدام أحد المتطرفين على اغتيال إسحق رابين رئيس الوزراء بعد أن اقتنع بأنه سيعيد مرتفعات الجولان لسوريا وأن هذا بمثابة تفريط فى حقوق إسرائيل.. والمعنى أن خطوات السلام الكبرى تُحدث نوعًا من الصدمة العاطفية لدى بعض الشعوب قد تهز استقرارها لبعض الوقت وبدرجات متفاوتة، وهو ما ندعو الله أن ينجى منه شعوبنا ودولنا العربية جميعًا.. والأكيد أن المنطقة العربية تشهد حالة من السيولة وإعادة التشكل وبناء التحالفات الجديدة وهدم التحالفات القديمة ومحاولات إقامة التوازن بين القوى الإقليمية المختلفة، إيران وإسرائيل وتركيا.. وهو تحدٍ جديد مفروض على مصر ضمن جملة تحديات فرض الواقع علينا أن نواجهها ضمن عواصف الربيع العربى وخماسينه السامة والمستمرة فى الهبوب رغم كل هذه السنوات.. حمى الله مصر وسدد خطاها وكفاها شر أعدائها الظاهر منهم والباطن.