النصر صبر ساعة
شغلتنى دائمًا هذه العبارة المأثورة.. لم أعرف هل هى حكمة قديمة أم حديث شريف أم تكتيك حربى ونصيحة لبلوغ النصر.. بحثت على جوجل فوجدت أنها تجمع بين كونها حكمة ونصيحة محارب شجاع.. نسبتها كتب الأثر لأبى عبدالله محمد وقالت فى تعريفه إنه من أعيان الشام وصاحب بطولات مشهودة فى حرب الروم وإنه توفى عام ١١٢ هجرية.. سألوه عن تعريفه الشجاعة فقال: الشجاعة صبر ساعة! والمعنى أن الشجاع هو من يصبر على قتال عدوه وعلى الألم.. فإن صبر عبر.. عنترة بن شداد رمز البطولة عند العرب له تعريف مماثل.. حيث سأله منافس له: بم تنتصر على أعدائك؟ فأجاب بالصبر.. ثم طلب من منافسه أن يدخلا فى اختبار عملى وقال له: عض إصبعى وأعض إصبعك.. بعد وقت قليل صرخ منافس عنترة من الألم، فقال له عنترة: لو صبرت برهة لصرخت أنا وانتصرت أنت.. إنما تكسب المعارك بالصبر.. نعم.. أنا أقصد المعنى الذى تبادر إلى ذهنك تمامًا.. علينا أن نصبر إزاء الأزمة التى نمر بها.. لن نكتشف مدى أى أزمة إلا إذا صبرنا إزاءها فترة طويلة لنختبرها.. أى دولة فى العالم هى فى حالة حرب إزاء منافسيها وأعدائها وأصدقائها أيضًا.. المنافسون لا يريدون أن تنافسهم على مكاسبهم.. الأعداء لا يريدون لك مزيدًا من القوة.. الأصدقاء يرون أن صداقة دولة ضعيفة أسهل من صداقة دولة قوية.. القوى الكبرى تريد أن تروضك كى تصبح أسهل قِيادًا.. الأصغر منك تطارده كوابيس تاريخية حول دورك التاريخى فى الإقليم.. لذلك أنت فى حالة حرب صامتة، الذين ضدك فيها ليسوا أعداء ولا أصدقاء إنهم أعدقاء.. الحرب تكتيكاتها معروفة.. هناك مثلًا الحصار ومنع الإمدادات.. هناك تجنيد العملاء والطابور الخامس.. هناك استخدام سلاح الشائعات.. كل هذه أشكال من الحرب ضدك وضد غيرك أيضًا بحسب اللحظة وحسب تضارب المصالح.. من المهم جدًا ونحن نخوض الحرب أن نتذكر أن النصر صبر ساعة.. وأن علينا أن نتحمل عض الأصابع لبعض الوقت كما فعل عنترة العبسى.. نحن مثلًا نعانى من أزمة فى العملة الصعبة.. لماذا؟ السبب المباشر أن دفعات تمويل كان يفترض أن تأتى من البنك الدولى وفق شروط معينة.. مصر رفضت هذه الشروط.. لماذا؟ لأنها ستسبب مزيدًا من التضخم وارتفاع الأسعار الذى يؤذى المواطن البسيط.. خلال هذا نبحث عن موارد أخرى للعملة الصعبة ونحاول تدبير احتياجاتنا ونتعامل مع الضغوط.. يمكن القول إننا نمارس لعبة الصبر ونتحمل الألم.. هل نشعر بالضيق؟ نعم.. طبيعى جدًا أن نشعر بالضيق والإحباط أيضًا.. لكن ما يحدث دليل على أننا اخترنا طريقًا يتسم بالنزاهة والوطنية.. فلو كنا تابعين لهذا الطرف أو ذاك لرضوا عنا وكافأونا.. والمصريون لديهم هذه البوصلة الحساسة التى تدفعهم لتأييد الدولة طالما تأكدوا من وطنية القيادة وإخلاصها للمصلحة المصرية وحدها وهذا شرط ناصع فى الرئيس السيسى.. لكن الحقيقة أننا فى حاجة لمزيد من الخروج على النص على المسرح الدولى.. الأكيد أننا نحظى بعلاقات استراتيجية متوازنة مع كل القوى الكبرى فى العالم من أمريكا إلى الصين ومن روسيا إلى الهند مرورًا بكوريا الجنوبية النمر الذى يتحول إلى أسد.. لكننا رغم هذا فى حاجة لمزيد من «الارتجال» فيما يخص منطقة الشرق الأوسط.. فى حاجة لتحركات صادمة تجعل كل الأطراف تعيد النظر فى علاقتها بمصر.. فى الشرق الأوسط نحن إزاء أربع دول كبرى، مصر، وهى ذات ميراث تاريخى، وإيران، وهى دولة إسلامية شيعية، وتركيا، وهى قوة كبيرة سنية، وإسرائيل، وهى قوة موجودة فى محيط من الرفض الشعبى وبيننا وبينها ما هو معروف من حرب وسلام.. خبرة التاريخ تقول إن مصر ارتجلت وفق مصالحها الوطنية لا وفق عقيدة أيديولوجية أو دينية.. عقب ثورة يوليو رحبت أمريكا بالثورة ووصفت الضباط الأحرار بأنهم أذكياء ولديهم الرغبة فى التغيير.. كانت العلاقات ودية.. وتقدمت مصر بطلب لشراء سلاح أمريكى كان مقدمًا منذ ما قبل قيام الثورة.. لكن أمريكا قالت إن المدافع الرشاشة قد تستخدم ضد القوات البريطانية فى القناة لذلك هى لن تقدم السلاح لمصر.. أعادت مصر الطلب فقال الأمريكان إن حكومة إسرائيل معترضة على الصفقة وإنهم ملتزمون بأمن إسرائيل.. اتجهت مصر شرقًا واشترت السلاح من روسيا.. رغم أن الاتحاد السوفيتى حتى وقتها كان يناصب الثورة العداء.. تكرر نفس الأمر فى تمويل السد العالى.. رفض الأمريكان ورحب السوفيت.. وبُنى السد بالفعل.. نحن فى حاجة لمزيد من الارتجال فى كل الاتجاهات وأن نزعج أعداءنا بأكثر طرق دبلوماسية ممكنة وأن نتذكر أن النصر صبر ساعة.