لماذا تصرخ اللجان؟!
تفاءلت خيرًا بالأخبار عن الشهادات الدولارية الجديدة.. مؤشرات عديدة تقول إن ثقة المصريين فى بلدهم بلا حدود.. المصريون يفرقون جيدًا بين الشعور بالضيق من الأزمة الاقتصادية وبين اختيار الاستقرار كرهان وحيد لمستقبل مصر.. المصرى بطبيعته يثق فى الدولة المصرية لأنها راسخة منذ آلاف السنين.. فى أحلك اللحظات كانت مؤسسات الدولة راسخة وتؤدى دورها ولم تواجه أبدًا مخاطر الفشل أو التفكك أو الانهيار.. لا فى زمن الحرب ولا فى زمن الثورات ولا فى أى زمن.. أما الأزمات فهى موضوع آخر.. وأخشى أن أقول إن المصريين اعتادوا على التعايش معها عبر مئات السنوات حتى لا يكون هذا فألًا سيئًا.. لذلك أقول إن الأزمات بطبعها طارئة وسنعبرها معًا بإذن الله.. أكثر ما طمأننى إلى نجاح طرح الشهادات الدولارية وأنها مفيدة جدًا لنا هو تعالى صراخ لجان الإخوان الإلكترونية.. إنهم تقريبًا يستغيثون.. يحاولون تشكيك الناس فى الشهادات بأى طريقة.. إن معنى هذا أنهم يدركون كم هى مفيدة لمصر.. لقد تعودت أن أحكم على الأمور من خلال مواقف الإخوان ولجانهم.. إذا رفضوا فكرة وحاولوا تشويهها أعرف أن فيها مصلحة مصر وأؤيدها.. وإذا احتفوا بحادث أو واقعة أو شخص أفكر أن علىّ أن أتخذ الموقف العكسى تمامًا وأنه سيكون عين الصواب.. بشكل عام قرارات البنك المركزى فى الشهور الأخيرة تبدو موفقة واحترافية.. لقد تراجع سعر الدولار فى السوق السوداء واختفت شائعات التعويم الجديد وتراجع سعر الذهب بعد مضاربات جنونية وصلت للذروة، ثم تراجعت بعد قرارات رفع الجمارك عن الذهب.. هذا يقودنى للحديث عن حاجتنا لمسئولين بارعين فى إدارة الأزمة.. هناك أمران يجب أن نفرق بينهما.. الأزمة نفسها وهذه لا دخل للمسئول فيها.. وإدارة الأزمة.. وهذه تقع فى نطاق المسئول المختص فنيًا.. كلما كان المسئول بارعًا فى إدارة الأزمة رفع العبء عن الدولة وخفف الضغط على الناس.. والعكس صحيح.. لا أزايد على أحد لأن التفاصيل غائبة.. ولكن هل كان يمكن أن ندير أزمة تخفيف الأحمال بطريقة أخرى؟.. هل كان لا بد من تمهيد إعلامى قبل البدء فى قطع الكهرباء؟ هل كان على المسئولين فى الكهرباء التفكير فى استخدام المازوت مبكرًا؟ هل كان عليهم التفكير فى العواقب وفى استخدام اللجان مثل هذه الانقطاعات التى لم يعتدها المصريون منذ تطوير قطاع الكهرباء فى ٢٠١٤؟ فى نفس الوقت وعلى الجهة المقابلة فإن نجاح البنك المركزى فى إدارة أزمة نقص العملة الصعبة وارتفاع سعر الذهب يدفعنا للتفكير فى أننا نحتاج لمزيد من التمكين لهذه الطريقة فى التفكير وإدارة الأزمات.. أظن أننا فى حاجة لمسئولين يغلب على تفكيرهم أمران اثنان فقط.. الاقتصاد والسياسة.. الفكرة أننا أنجزنا الجزء الأعظم من الإنشاءات والمشاريع الكبرى بالفعل.. ونحن الآن فى حاجة لإدارة هذه المشاريع.. بلا شك فإن العاصمة الإدارية والعلمين والأربعين مدينة جديدة من الجيل الرابع هى إنجازات عظيمة بالفعل.. ولا شك أن رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى أسهم بخبرته الكبيرة فى إنجازها فنيًا.. ينطبق ذلك أيضًا على سبعة آلاف كيلو متر من الطرق وغيرها من المشروعات.. ولكن من الطبيعى أن مرحلة بناء المشروع تعقبها مرحلة أخرى هى إدارة المشروع وتسويق المشروع وتعظيم الإيرادات من المشروع.. فإذا افترضنا أن مخطط النهضة الذى بدأته مصر مع الرئيس السيسى هو مشروع كامل.. فيمكننا أن نقول إننا انتهينا من مرحلة التأسيس والبناء.. وإننا الآن فى مرحلة الإدارة والتسويق وجنى الأرباح.. ربما يستدعى هذا إدارة ذات طابع اقتصادى وسياسى أكثر.. فالأزمة العالمية مستمرة طوال العام المقبل كله.. ومن الوارد أن يحدث مزيد من التضخم.. وهناك استحقاقات انتخابية مهمة خلال العام المقبل.. وهناك متربصون وعملاء ولجان إلكترونية خارجية وداخلية.. لذلك نحتاج إلى حكومة تتميز بحساسية سياسية كبيرة وببراعة فى إدارة الأزمة على عدة مستويات.. الحفاظ على الإنجاز لا يقل أهمية عن الإنجاز نفسه.. القدرة على المناورة وتفادى الصعاب وجبال الثلج أمر مهم جدًا كى تصل سفينتنا إلى بر الأمان.. ليس للأمر علاقة بالخوف من المؤامرات، لأن المصريين اختاروا الاستقرار بالفعل.. الأمر له علاقة بتخفيف الضغوط عن المجتمع وإعفاء الدولة من الحرج.. ثقة الناس فى الرئيس السيسى لا يجب استهلاكها بأداء ضعيف أو غير موفق هنا أو هناك.. الشهادات الدولارية رسالة قوية جدًا فى اتجاهات مختلفة وإيجابية.. أتمنى أن نقرأها جيدًا.