العودة للحالة الطبيعية
أكبر مكاسب ثورة ٣٠ يونيو هو الاستقرار.. قامت الثورة لتنهى حالة سيولة أمنية وسياسية واجتماعية وصلت لدرجة الخطر.. عادت الدولة لممارسة دورها بقوة وحزم ردًا على حالة السيولة والأخطار التى هددت الدولة.. رفض الإرهابيون قبول نتائج الثورة وأشعلوا حرب الإرهاب ضد مصر.. استدعى ذلك إجراءات استثنائية واسعة تقبلها المصريون بفهم ووعى بضرورتها.. دارت عجلة عمل عملاقة فى آلاف المشروعات.. رغم الأزمات الدولية واصلت مصر العمل فى خطتها للنهضة والنمو.. مرت عشر سنوات من الاستقرار وخفت صوت الإرهاب حتى تحول إلى تاريخ.. دخلت جماعة الإخوان إلى شقوق المنافى فى انتظار رعاة جدد يستخدمونها كما كان الحال منذ تأسيسها حتى الآن.. رغم أن الخطر موجود فإننا فى حاجة لأن نرسل رسالة للعالم أن مصر عادت للحالة الطبيعية.. من أكبر المكاسب السياسية حالة الحوار الوطنى مع القوى المدنية.. أحدث الحوار حالة إيجابية، وأهم إنجازاته أنه وحد الصف الوطنى.. تم إيضاح حقائق وإجلاء مواقف وتم حرمان الأعداء من فرصة إقامة تحالفات مع قوى داخل مصر.. هذا مكسب كبير يجب أن يدركه من يعادون الحوار أو يشعرون بالقلق منه.. الفكرة أننا فى حاجة للعودة للحالة الطبيعية.. نحن أيضًا فى حالة لحساب الخسائر والمكاسب قبل كل قرار.. من هنا تأتى أهمية قرار الرئيس السيسى بالعفو عن المحكوم عليهم بعقوبات فى قضايا تختلط فيها الجناية بالرأى السياسى.. لا أحد يقول إن المحكوم عليهم على صواب أو على خطأ ولكن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة.. هل نحتاج الآن إلى عناوين فى الصحافة الأجنبية بصورة سلبية عن مصر؟ هل نحتاج لإعطاء الفرصة لمن يقول إنه تم حبس باحث تحدث عن حقوق الأقباط.. واقعيًا العشر سنوات الماضية تشهد أروع علاقة بين الأقباط والمسلمين وبين الدولة والكنيسة.. تصريحات البابا تواضروس تشهد على ذلك.. قانون بناء الكنائس أيضًا يشهد.. الحريات الدينية من أعظم إنجازات حكم الرئيس السيسى.. من هنا تأتى أهمية قرار العفو عن الباحث «باتريك زكى» لأن تنفيذ حكم الحبس كان سيؤدى لنتيجة سلبية وينقل رسالة سلبية عن واقع إيجابى بين المسلمين والأقباط وبين الدولة والكنيسة.. نفس الأمر ينطبق على قرار نقابة الموسيقيين بإلغاء حفل المغنى الأمريكى «ترافيس سكوت».. أنا لا أعرف هذا المغنى ولا خلفياته.. ولكن العقل يقول إننا لو أردنا عدم مجيئه من البداية فإن علينا أن نرفض من المنبع وفى هدوء.. دون ضجة.. لكن ما حدث أن نقابة الموسيقيين منحته تصريحًا بالغناء ثم سحبته.. ثم ترددت.. ثم أقدمت.. إلخ، والنتيجة أنه سيكون لدينا خبر فى عشرات الصحف الأجنبية أن مصر ألغت حفلًا موسيقيًا.. هو خبر سلبى بكل تأكيد لأن جزءًا من قوة مصر هو ارتباطها التاريخى بالفن.. نحن عرضنا أول أوبرا عام ١٨٦٩ فى وقت كانت كل دول المنطقة لا تعرف الفارق بين المزمار والعصا، وبالتالى فإننا يجب أن نفكر فى انعكاس القرارات التى نتخذها على صورة مصر فى الخارج.. وهل تعزز صورة مصر كدولة طبيعية أم لا؟ كلما عززنا صورة مصر كدولة طبيعية ساهم هذا فى مزيد من الاستقرار والاستمرار.. وكلما عززنا صورة مصر «الاستثنائية» عزز هذا دعاوى الأعداء.. فالوضع الاستثنائى لا يستمر للأبد.. لذلك من مصلحتنا أن نعود للوضع الطبيعى.. بشكل عام فى موضوع الحفلات عند سفح الهرم نحن فى حاجة لأن نحسم.. هل لا بد أن نوافق على أفكار كل من يأتى ليغنى تحت سفح الهرم؟ هل نحن شركاء فى الحدث أم مجرد مستضيفين له مقابل فوائد مادية ومعنوية نحققها؟ المغنون فى الغرب يعبرون عن تيارات فكرية مختلفة- عكس الوضع فى الشرق- هناك عدميون ومتمردون.. إلخ.. فهل نحن نشترط أن نوافق على أفكار كل من يغنى فى مصر؟ إذا كان الأمر كذلك فلنغلق الباب من المنبع بدلًا من تداول أخبار عن منع الحفل الفلانى والمطرب الفلانى.. وإذا حسمت الحكومة أمرها وقالت إننا كدولة لسنا طرفًا فى الحدث الذى نستضيفه.. فلتكن لدينا خطة لاجتذاب مطرب عالمى كل شهر ليغنى تحت سفح الهرم.. كلا السيناريوهين يجوز تطبيقه إذا حددنا هدفنا بدقة.. إما أن نمنع الحفلات من حيث المبدأ لأن أفكار معظم المطربين تختلف عن أفكارنا وعاداتنا فعلًا.. وإما أن نقر بأننا لسنا طرفًا، ونفتح باب الاستضافة مستفيدين من مميزاتها المادية والمعنوية.. وفى الحالتين سنكون رابحين.. المهم أن ندعم صورة مصر كدولة طبيعية.. أنهت الفترة الانتقالية من حياتها وتتفرغ الآن للتنمية ومواجهة التحديات.. والله أعلى وأعلم.