هيموت ويتحشر.. بس مكسوف!
لا أتصور ما حدث لى فى مترو الأنفاق فى طريق عودتى إلى المنزل. كان المترو مزدحمًا، وطبيعى أن يكون كذلك، فهو توقيت العودة من العمل. رن موبايلى، وكان حديثًا فكاهيًا تمامًا به شيء من الشد والجذب.
لاحظت أن هناك صمتًا ساد من هم حولى، لدرجة شدت انتباهى على عكس العادة فى الصخب المعتاد من ثرثرة وحوارات جانبية وأخرى جماعية يشترك فيها ركاب عربة المترو من الرجال والسيدات دون أن يكون لهم معرفة ببعض. انتبهت أننى أصبحت المركز البصرى للذين ينصتون لصوتى ويتأملون فى ملامح وجهى فى تتبع دقيق لمعرفة الانطباعات عن من أتكلم معه.
ما قالته صديقتى هو من العادات السيئة المنتشرة فى المجتمع المصري.
إنه التطفل على الغير دون وجه حق وانتهاك الخصوصية الشخصية التى لا يعترف بها المجتمع. وهو ما جعل من يتطفل لا يشعر بحرج من سلوكه ولا يشعر بخطئه وجريمته من الأصل فى حق من حوله.
إذا قرأت كتابًا أو مجلة أو جريدة، نجد من حولنا من ستخرج عيناه من رأسه ليشاركنا القراءة، وذلك بعد محاولات مستميتة تصل إلى حد مرونة بطلات البالية فى الميل للوصول لأقرب نقطة تجعله يرى بوضوح.
أما عن الموبايل فحدث ولا حرج، بالإضافة لما ذكرته صديقتى، نجد من يحاول أن يختلس النظرات على طريقة مستر X، سواء عند قراءتك رسالة أو الاتصال بأحد، وتتبع ما تفعله على الموبايل أيًا كان حتى لو مجرد تطبيقات الألعاب.
وقولًا واحدًا، يرتبط بما سبق، من "يطرطق ودنه". وهو سلوك لا يقتصر فقط على متابعة الموبايل، ولكن أيضًا الإنصات التام لأى حوار ثنائى أو ثلاثى يدور حوله.
و"مطرطقي الودان" نوعان. منهم من يكتفى بالسمع ولا يعبر بأى كلمة، ومنهم من يتدخل بالتعقيب والتعليق على الحوار دون استئذان.
ينتشر سلوك التطفل فى مترو الأنفاق وفى المواصلات العامة وفى أى أماكن خدمية، فلا نجد أى خصوصية، للدرجة التى تجعل ضحية التطفل مجبرًا على استنشاق كل الروائح غير الصحية. وهو ما يزيد فى وسائل الانتقال ذات الكثافة العددية. والتى يستغلها البعض فى ممارسة سلوكه الإجرامى لكل أشكال التحرش الجنسى التى تبدو للوهلة الأولى طبيعية بحجة الكثافة.
لا يؤمن المجتمع المصرى بالخصوصية الشخصية، بل ويعتبر هذا أمرًا طبيعيًا. ولا أنسى هنا ما يحدث من ردود أفعال أثناء الحوادث، والذى يتلخص فى مشاهدة ما حدث وربما تصويره بالموبايل دون أى مساعدة نهائيًا لمن تعرضوا للحادث.
التطفل فى مجتمعنا أسلوب حياة، يتدخل الأب فى شئون أبنائه دون التوازن بين احترام خصوصية أبنائه لبناء شخصيتهم المستقلة، وبين مسئولية متابعته لهم للنصيحة والاستفادة من خبراته.
العديد من الحوادث المرورية سببها عدم الحفاظ على مجال تحرك كل سيارة، والذى يمثل نطاق خصوصيتها. وذلك بسبب عدم احترام أصحاب السيارات بعضهم البعض، فالسيارات تسير متلاصقة دون احترام لأى مسافة قانونية بينها. وهو ما يفقد منطق الأمان فيحدث الاصطدام.
نقطة ومن أول الصبر..
من خلال متابعتى قضايا الجندر الاجتماعى والمساواة والتمكين، أجد أن المرأة هى الأكثر تعرضًا للتطفل، لكونها مركز اهتمام العقلية الذكورية المريضة. ومن بعدها المجتمع كله.