عن وزيرة السعادة أُنس جابر
خسرت لاعبة التنس التونسية أنس جابر نهائى ويمبلدون أمام التشيكية ماركيتا فوندرسوفا، وقالت وهى تبكى فى مشهد مؤثر «سيكون يومًا صعبًا، لكننى لن أستسلم وسأعود أقوى، إنها رحلة صعبة، لكنى أعدكم بالعودة وسأفوز بلقب هذه البطولة فى يوم ما»، كنا كعرب وأفارقة، ننتظر واحدة من البطولات الأربع الكبرى لأول مرة، وبعيدًا عن الخسارة وحزننا معها للعام التالى فى البطولة الأهم، لقد صنعت حالة نادرة من التعاطف فى الوطن العربى كله، وفى مصر تابع الجمهور العام الذى لم يهتم يومًا برياضة التنس بطلته الجديدة فى المقاهى والبيوت، تابعها كأنها من بقية أهله، نزلت بعد المباراة حزينًا أتسوق فى سوبر ماركت قريب من بيتى، لم أصدق ما رأيت، الكل يتكلم عن المباراة، وبعضهم يتكلم فى أدق التفاصيل، وشهدت حالة جميلة بين الناس، لم يتحدث أحد عن أنها تونسية، أحيانًا المواهب الكبيرة الاستثنائية تصلح ما أفسده السياسيون، وتقرب المسافات، هذه المرة كانت أنس ابنة الجميع، الذين اصطفوا خلفها بحثًا عن «بطولة»، ملامحها الطيبة ودأبها أدخلاها قلوب الناس ببساطة، الاحتقان الذى تسببت فيه كرة القدم بين المشجعين اختفى فجأة، لأن مشجعى الفرق المتناحرة اتفقوا أخيرًا على تشجيع أنس جابر «٢٨ عامًا»، التى خسرت أمام إيلينا ريباكينا فى نهائى ويمبلدون وإيجا شيانتيك فى نهائى أمريكا المفتوحة العام الماضى، أنس المصنفة السادسة على مستوى اللعبة، التى خسرت السبت الماضى بطولة كبيرة، حققت ما هو أكبر من البطولة، حققت التلاحم بين شعوب عربية تعيش فى جزر متباعدة متناحرة، التشيكية فازت بنتيجة ٦-٤ و٦-٤، لتصبح أول لاعبة غير مصنفة تحرز لقب فردى السيدات ببطولة ويمبلدون للتنس، فازت لأنها أكثر هدوءًا، ولأن بطلتنا ارتكبت ٣١ خطأ فادحًا، ولم تكن فى حالتها هذه المرة، وُلدت بطلتنا فى ٢٨ أغسطس ١٩٩٤، بمدينة قصر هلال فى ولاية المنستير شمال شرقى تونس، وهى أصغر أبناء عائلتها المؤلفة من شقيقين كبيرين، وشقيقة أكبر منها، أحبت أنس رياضة التنس منذ أن كانت فى الثالثة من عمرها، عندما شجعتها والدتها اللاعبة الهاوية، «وزيرة السعادة» كما يطلق عليها الناس بدأت فى ممارسة الرياضة رسميًا عندما تدربت على يد المدرب نبيل مليكة فى سن الرابعة وحتى سن الـ١٣واجهتها صعوبات فى بداية مسيرتها إذ لم تكن هناك ملاعب للتنس بمدرستها، فكانت تعتمد على التدرب فى ملاعب الفنادق القريبة من منزلها بمساعدة والدتها التى كانت تصطحبها إلى هناك، وتقول أنس جابر عن نشأتها وسر تفوقها: «لقد ضحى والداى بكثير من الأشياء، اعتادت أمى أن تقودنى فى كل مكان حول تونس للذهاب للعب البطولات، وشجعتنى على الذهاب إلى كل حدث خاص بالتنس، كانت تلك تضحية كبيرة لرؤية ابنتها الصغيرة تسعى لتحقيق حلم لم يكن مضمونًا بنسبة ١٠٠٪، لقد آمنت بى ومنحتنى الثقة لأكون هناك»، فى الـ١٣ من عمرها انتقلت جابر» إلى العاصمة تونس؛ للتدرب فى «المعهد الرياضى» وهو مدرسة ثانوية رياضية وطنية مخصصة للرياضيين الصاعدين وبقيت فيها عدّة سنوات حتى تنقلت بين بلجيكا وفرنسا للتدرب هناك، ويقول نبيل مليكة، المدرب الذى رافق أنس جابر فى بداياتها: «كانت لها قدرات تحكم كبيرة فى الكرة، حتى إن مدربين آخرين حاولوا استقطابها لكرة اليد، وفعلًا فكرت أنس بجدية فى تغيير اختصاصها لكنها تمسكت ببقائها فى رياضة التنس». بدأت أنس اللعب فى منافسات رابطة محترفات التنس فى عام ٢٠٠٨، وفى ٢٠٠٩، احتلت المركز الثانى فى كل من الفردى والزوجى فى بطولة بالمنستير بالقرب من مسقط رأسها، وخسرت أمام إليز تامالا فى كلا الحدثين. فازت بأول لقب لها فى الفردى مايو ٢٠١٠ فى أنطاليا، تركيا. ثم فازت بأحداث الفردى والزوجى فى بطولة أخرى فى الدار البيضاء بالمغرب بعد شهرين بعد إجراء عملية جراحية فى معصمها الأيسر فى نهاية العام وفوزها بلقب جراند سلام للناشئين، وبدأ نجمها فى الصعود منذ ٢٠١١، إلى أن شاهدناها مرتين فى نهائى ويمبلدون، تعتبر أنس جابر اللاعبة التونسية الأولى وأفضل لاعبة تنس إفريقية وعربية فى تاريخ الاتحاد الدولى لكرة المضرب ورابطة محترفات التنس، حيث فازت أنس بثلاثة ألقاب فردية فى جولات رابطة محترفات التنس، و١١ لقبًا فرديًا ولقب زوجى واحد على مستوى الاتحاد الدولى لكرة التنس، وهى أول لاعبة عربية تصل إلى ربع نهائى بطولة كبرى فى بطولة أستراليا المفتوحة للتنس ٢٠٢٠، وهو إنجاز كررته فى بطولة ٢٠٢١، وفازت بأول لقب على مستوى رابطة محترفات التنس خلال بطولة برمنجهام كلاسيك ٢٠٢١، لتصبح أول امرأة عربية تفوز بلقب اتحاد لاعبات التنس المحترفات.. أنس جابر وزيرة حقيقية للسعادة، ومسيرة عظيمة وسنقف خلفها حتى تحصد البطولات الأربع الكبرى إن شاء الله.