حكاية رجل سرقه السلم بعدما أكله الورق
قدمت فرقة «جروتسيك» على مسرح نهاد صليحة العرض المسرحى «الرجل الذى سرقه السلم»، ثانى عروضها بعد عرض «الرجل الذى أكله الورق»، والذى اختارته لجنة المشاهدة بالمهرجان القومى للمسرح مؤخرًا ضمن عروض المهرجان.
«الرجل الذى أكله الورق» إعداد محمد الحضرى عن نص «رطل من اللحم» لأوجستين كوزانى، المستلهم من أحداث قصة «تاجر البندقية» لشكسبير، مع مفارقتها فى بناء الشخصيات والدلالات المصاحبة للعرض المسرحى، وأرشحه بقوة لمشاهدى المسرح أثناء المهرجان القومى للمسرح.
وتدور أحداث المسرحية حول محاكمة «إلياس بيلوبر»، كاتب الحسابات الذى رغم عمله الشاق لا يستطيع الوفاء بالتزامات الحياة، وحين يمرض يلجأ للاقتراض من «شايلوك» المرابى الذى يشترط اقتطاع رطل من لحمه إذا عجز عن سداد الدين، ويحاول الدفاع دفع تنفيذ شرط «شايلوك» القاسى فيذكرهم بأنه وفقًا للقانون عليهم أن يقتطعوا هذا الرطل دون إراقة نقطة دم واحدة وإلا التزم «شايلوك» وفقًا للقانون الإنجليزى بالتنازل عن ثلث ممتلكاته لـ«بيلوبر».. لكنه يفاجأ بفساد تلك الحجة، حين يثبت الطبيب أن جسد بيلوبر خالٍ من الدم.
وفى العرض الأخير «الرجل الذى سرقه السلم»، تأليف عمر رضا، يستكمل المخرج الشاب محمد الحضرى مشروع فرقته «جروتسيك»، وانشغاله بذات الموضوع فى عرضه الأخير، وهو قدرة الإنسان على الاختيار، وقدرته على حماية روحه المخترقة دومًا بفعل الواقع والضغوط ومؤسسة المجتمع ومؤسسة العمل، وكيف تستطيع تلك الآلة الجهنمية العمل فى شروط غير عادلة، أن تمتص الإنسان وتخليه من إنسانيته بقسوتها وعنفها، وهل نحن قادرون على الصمود وحماية أحلامنا الحقيقية وأرواحنا الحقيقية وكلماتنا الحقيقية، أم أننا دومًا معرضون «للبَهتان»، لأن نفقد لوننا، طعمنا، هويتنا، وفردانيتنا، ونصير نسخة مكررة لا تشبهنا، نفقد بوصلتنا وهدفنا ونصير مثل سيزيف ملعونين بعقاب لا نهائى، «بطل أسطورة سيزيف الذى يظل طوال الوقت فى حركة مستمرة ومكررة صعودًا وهبوطًا بلا هدف، يصعد الجبل حاملًا حجرًا ويهبط منه حاملًا نفس الحجر كعقاب وجودى»، حيث اللا جدوى والفعل غير المنتج حقيقة هو العقاب.
عالج عمر رضا، المؤلف الشاب، الموضوع عبر حبكة بسيطة، حيث البطل «آدم» يريد أن يترك المؤسسة التى يعمل فيها عقب انتحار أحد العاملين الذى تم تسريحه فجأة، ويخبر حبيبته «فريدة» التى ترفض فى البداية، ثم لا تلبث أن تقبل ذلك طالما يريده «آدم»، تحاول الشركة استعادة «آدم» فتغريه بالترقية فيتراجع عن قراره على نحو يصدم «فريدة» حيث يبرر ذلك لها:
«عايز أطلع السلم.. أحس بأى إنجاز حقيقى فى حياتى لو حتى مزيف، تعبت من إنى بحاول ومفيش نتيجة، خايف أموت وأنا بحاول، عايز أحس بإنجاز، بانتصار، أنا عاجز عن التفكير بحرية، أنا مجبر إنى أغير كلامى وأفكارى وأرمى نفسى مع التيار، أنا بغرق وعايز أى أمل ضعيف يقولى إن هلاقى ناس بتصقفلى، حتى لو عديت الشارع صح».
ويسرق السلم روح «آدم»، وفى غمرة الصعود حين يصبح الصعود نفسه هو الهدف، وقد تميز النص ببساطة وعمق الحبكة وبالحوار المكثف المشحون بالمعانى والصراع وتوظيف الصورة الدرامية والمشهدية كجزء عضوى من إنتاج المعنى الدرامى، وهو نص ينبئ عن مؤلف دراما «مسرح- سينما» واعد.
كما تميزت عناصر السينوغرافيا، الديكور رومانى جرجس، والأزياء لبنى منسى، والماكياج والأقنعة بسنت مصطفى، والإضاءة محمود الحسينى، حيث تضافرت كل العناصر لخلق صورة مستنسخة جعلت الجميع باستثناء، «فريدة» و«آدم» قبل الصعود و«آدم» المتخيل، فاقدين الروح والخصوصية، وجعلت السلالم تحتل جوانب وصدارة المسرح لتجسد غواية الصعود.
منحنا الممثلون «شأن كل عناصر العرض الأخرى» جزءًا من أرواحهم الطازجة، وذلك على الرغم من أنهم جميعًا ما زالوا يتلمسون طريقهم بعد خروجهم من مسرح الجامعة، وخرجت من العرض وأنا أشعر بتوهج وأمل فى مسرح قوى شاب مفعم بالمعنى والصدق والجمال.. موقنة بأنه طالما عاش مسرح الجامعة سيعيش المسرح المغاير الطازج الحر.