تحديات الجمهورية الجديدة.. القوى الناعمة وبناء ريادة المستقبل
تواجه الدول تحديات دائمة ومستمرة في مسيرتها وتاريخها، ومع تغير الأزمنة والأنظمة تتغير التحديات وتتطور مع تطور المجتمع وتوسعه وتفرع طبقاته ومؤسساته، وهو ما يحدث مع الجمهورية الجديدة كمرحلة جديدة تمر بها مصر حاليًا.
فالجمهورية الجديدة لها تحدياتها ومشاكلها التي تعمل الدولة على تجاوزها وحلها من أجل مستقبل أفضل لمصر والمصريين، في هذه المساحة نحاول تسليط الضوء على أبرز هذه التحديات، لعل الإشارة تكون عاملًا مساعدًا للجهود الكبيرة التي تتم من أجل غدٍ مصري أفضل.
نواصل حديثنا عن واحد من أبرز التحديات التي تواجهها مصر في ظل الجمهورية الجديدة، وهو كيفية إعادة القوى الناعمة لمصر إلى مكانتها وريادتها إقليميًا ودوليًا، واستغلالها من أجل إيجاد عوامل مساعدة للدولة تسمح لها بالتحرك بشكل أسهل وأيسر في علاقاتها مع أجوارها تحمي بها مصالحها، وتعزز بها نقاط التواصل بدلًا من أن تكون نقاط تقاطع وخلاف.
يتبادر سؤال إلى الذهن:كيف يمكن العمل على حل هذه الإشكالية؟، والإجابة تبدأ من المجتمع ومن الداخل، فالقوة الناعمة في أساسها هي قدرة أمة أو شعب أو مجتمع على التأثير إيجابًا في نفسه أولًا، ومن ثم ينطلق ليؤثر فيمن حوله من المجتمعات والشعوب والدول والأمم، ويكون التأثير هنا إما بتحقيق أهداف أو مصالح محددة للمجتمع أو الدولة التي تمكنت من إمساك زمام أدواتها وقواها الناعمة في عدة مجالات واستطاعت جذب الآخرين إلى هذه الأدوات والإمكانات والقوى، للتعلم والاستفادة فيبدأ من هنا التأثير وتحقيق الأهداف.
والأمر الثاني يكون بتحقيق تواصل مع المحيط الحيوي للدولة، مما يساعد في خلق علاقات تبدأ بشكل اجتماعي أو إنساني، ثم تتطور إلى مجالات أخرى كالفن والاقتصاد وقد تتوج بعلاقات سياسية فيتحقق الهدف وإن كان سيأخذ مزيدًا من الوقت قد يصل لسنوات، وبعدها يبدأ في التوسع في نطاق دوائر أكبر وأحيانًا في اتجاهات محددة بحسب ما تتطلبه مصلحة الدولة والشعب.
السؤال الأبرز الذي يشغل بال الكثيرين هو: هل تمتلك مصر حاليًا المقومات والعناصر الكافية من أجل النهضة بعناصر قواها الناعمة والاستفادة منها؟، والإجابة نعم مصر لديها كافة المقومات والعناصر اللازمة للنهضة بقواها الناعمة، صحيح أن بعض هذه المقومات تحتاج إلى قليل من التعديل، وعناصر تحتاج إلى توجيه وتصحيح لبوصلتها لنصل للنتيجة المرجوة والمأمولة.
وفي هذا الشأن لدينا مثال مهم وهو الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، فخلال السنوات الأربع الماضية استطاعت أن تقدم مجموعة من الأعمال التي أعادت للفن المصري جزءًا كبيرًا من تألقه وألقه، فمثلًا سلسلة مسلسل الاختيار بأجزائه الثلاثة قد استطاعت أن تتجاوز حدود الداخل المصري إلى نطاق الدول العربية بل وتعدتها، ورغم وجود حالة من الجدل التي لا يتفق معها من أيدوا المسلسل وتفاعلوا معه وهم من كانوا النسبة الغالبة، إلا أن هذه الحالة وما أحدثته من اهتمام ومتابعة تقدم مثالًا متميزًا من أمثلة أهمية وتأثير القوى الناعمة.
وأيضًا كما حدث مع الاختيار سبقه فيلم الممر وكم كنت سعيدًا في توقيت عرض الفيلم لأول مرة، فقد كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها اهتمامًا كبيرًا من كافة فئات وأطياف المجتمع في الشارع المصري بمتابعة ومشاهدة الفيلم، حتى إن بعض الشوارع وقتها انخفضت فيها أعداد المارة الذين تجمعوا في البيوت أو في أماكن بها أجهزة تليفزيون لمتابعة الفيلم، وما تلا ذلك من استخدام لمشاهد وجمل من الفيلم والتي كان أبرزها "البسوا لهم المموه بيخافوا منه".
ومع وجود هذه الأمثلة الناجحة، نحتاج إلى تكرار تجارب كتجربة "المتحدة" في بقية المجالات، وربما يكون مهرجان العلمين الذي ينطلق قريبًا إيذانًا بإعلان عن تجربة جديدة ناجحة، تتكامل فيها عناصر القوى الناعمة المصرية من الفن والموقع والاقتصاد والرياضة، لتستعيد مصر جزءًا مهمًا من وجهها المضيء عبر التاريخ بالإبداع والتميز.