500 يوم «دم» خبراء يرسمون سيناريوهات الحرب «الروسية- الأوكرانية»: لا تهدئة مرتقبة
رأى محللون أنه رغم مرور ٥٠٠ يوم على بدء الحرب الروسية الأوكرانية لا توجد أى بوادر لدى أى طرف فى إنهاء ذلك الصراع، بل إن هناك اتجاهًا لإطالة أمد الحرب، بشكل يطيل معاناة الدول الفقيرة المتضررة من أزمات الحبوب والاستيراد.
كما رأوا أن الجانبين يضغطان على بعضهما البعض، فمن جهة تضغط موسكو على الغرب بتوسيع أزمة الطاقة، وفى المقابل تدعم أوروبا كييف عسكريًا لمواصلة استنزاف القدرات الروسية.
طارق فهمى:موسكو تريد الاحتفاظ بـ«الأربع مناطق» لتأمين حدودها
قال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه لا توجد بوادر على قرب توقف الحرب فى أوكرانيا حتى هذه اللحظة، فى ظل انفتاح المشهد على سيناريوهات عديدة متعلقة برغبة كل طرف فى دفع الطرف الآخر نحو الهاوية.
وأوضح أن سيناريو استمرار القتال لمدة أطول موجود وقائم، ويؤكد ذلك ضغط حلف الناتو على أوكرانيا لمواصلة الحرب، وإمدادها بأنظمة دفاعية ومخصصات مالية لشراء أنظمة حديثة.
وأضاف أن روسيا أيضًا تتعامل مع الهجوم المضاد عليها برؤية مختلفة، وربما تفكر فى إنهاء العملية العسكرية فى أسرع وقت ممكن، ليس بسبب الخسائر؛ لكن لأنها ما زالت فى وضع أفضل، وقادرة على تحويل العملية العسكرية لحرب شاملة، لكنها تريد الاحتفاظ بـ«الأربع مناطق» التى تم ضمها، بما يؤمن الحدود الروسية والمفاهيم الخاصة بالأمن القومى الروسى.
ورأى أن «الغرب لن يتراجع أو يفسح المجال للتسوية، ولا توجد حتى الآن سوى المبادرة الصينية، وهى المبادرة الرئيسية الفعالة، غير بعض المبادرات الضعيفة التى تُعتبر تسجيل موقف فقط، والصينيون يريدون مقايضة سياسية فى هذا الملف، ولا أحد لديه فرصة للتسوية سوى المبادرة الصينية».
وأكمل: «أزمة الحبوب لدى الدول الفقيرة مستمرة، والروس منحوا تركيا مزايا فى سبيل تحويلها لمركز غلال عالمى، ولهذا تأثيرات بالغة على الدول النامية، حتى إن قمة فرنسا الأخيرة بحثت ارتدادات الأزمة الأوكرانية على كثير من دول العالم، أما ما يجرى على الأرض استراتيجيًا فهو شىء آخر».
ورأى أن من يستطيع وقف الحرب، رغم وجود أطراف تدفع فى اتجاهات أخرى، هى روسيا، بما لديها من الإمكانات لرسم منطقة أمنية تؤمن بها حدودها، وتوقف العمليات من جانب واحد.
وواصل: «تصميم أوكرانيا على مواصلة الحرب سيناريو تخيلى، خصوصًا أنه بعد عدة أسابيع ستبدأ الانتخابات الاستهلالية الأمريكية، ما سيؤخر بشكل أو بآخر التعامل الأمريكى مع المسألة الأوكرانية، وكذلك أوروبا لا تريد تطور الحرب على حدودها».
أشرف كمال:تدفق السلاح الغربى إلى كييف يستهدف مواجهة طويلة الأمد
رأى أشرف كمال، مدير المركز المصرى الروسى للدراسات، أن تعزيز فرص السلام والاستقرار العالمى يظل مرهونًا بتوافق الدول الكبرى، خصوصًا بين أكبر قوتين نوويتين، روسيا والولايات المتحدة.
وأضاف «كمال» أن هذا التوافق من شأنه تجنيب الأسواق العالمية حالة الارتباك وعدم الاستقرار، وارتفاع أسعار السلع الأساسية ومؤشرات التضخم، واضطراب سلاسل الإمداد، وأزمات موارد الطاقة.
وقال: «المشهد الراهن على الساحة الدولية يثير المخاوف نحو مزيد من الأزمات، بينما تتواصل معاناة الشعوب الفقيرة التى تتأثر بصورة غير مباشرة من تداعيات المواجهة، بين الكبار فى فضاء الاتحاد السوفيتى والمحيطين الهندى والهادئ».
وأشار إلى أن الأزمة الحالية تتجاوز أوكرانيا، فى ضوء استراتيجية أمريكية تستهدف الهيمنة والسيطرة على مناطق ذات أهمية محددة بالنسبة للمصالح الأمريكية، ويجرى العمل على تنفيذها منذ تأسيس حلف شمال الأطلسى، بينما أعلنت موسكو عن انتهاء زمن الهيمنة الغربية، وأن العالم أحادى القطب أصبح شيئًا من الماضى، وتواصل العمل مع الشركاء فى إطار التأسيس لنظام عالمى جديد، متعدد الأقطاب على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وبيّن أن استمرار تدفق السلاح الغربى إلى حكومة كييف يستهدف مواجهة عسكرية طويلة الأمد، فى محاولة لاستنزاف موسكو، بالتزامن مع تخلى الولايات المتحدة عن التزاماتها الدولية فى مجال نزع السلاح، من خلال الانسحابات المتوالية من الاتفاقيات الثنائية مع موسكو، وتطوير نظام الدفاع الصاروخى متوسط وقصير المدى فى أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وقال: «الحكومة الأوكرانية أقرت قانونًا يرفض إجراء أى مفاوضات مع روسيا، ولم تقبل بالمبادرة الإفريقية للسلام، وانتهت مباحثات وفد المبادرة الإفريقية من دون التوصل إلى نتائج بسبب الموقف الأوكرانى، والمبادرة لم تكن الأولى، وكانت هناك جهود من أطراف إقليمية ودولية».
وفيما يتعلق بأزمة الحبوب، رأى «كمال» أن محاولات الترويج لمسئولية روسيا عن أزمة نقص الحبوب لدى الدول الفقيرة محاولة لتضليل الرأى العام العالمى، لأن القيود المفروضة تحول دون حرية التجارة بين موسكو والعواصم الأخرى، كما أن روسيا واحدة من بين عدد من الدول الكبرى فى تصدير القمح على مستوى العالم، مضيفًا أن السؤال المطروح هو، أين دور الدول الكبرى الأخرى فى التخفيف من معاناة الدول الفقيرة؟.
وتابع: «الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قال، خلال منتدى فالداى للحوار، الذى عقد فى موسكو نهاية عام ٢٠٢٢: (لقد انتهى زمن الهيمنة الغربية، العالم أحادى القطب أصبح شيئًا من الماضى)».
عايد المناع:على مستوردى الحبوب والزيوت البحث عن مصادر أخرى
أكد المحلل السياسى الكويتى الدكتور عايد المناع أنه ليس هناك ما يشير لوقف الحرب الروسية الأوكرانية؛ لأن هذه الحرب الهدف منها هو استنزاف روسيا، مثلما حدث بين أمريكا والاتحاد السوفيتى فى أفغانستان.
وقال إن هناك تصورًا دائمًا حول وجود مساع غربية للقضاء على روسيا الاتحادية ثم تفكيكها فى وقت لاحق، لتبقى الصين هى الهدف النهائى للغرب.
وأضاف: «الغرب يشعر بخطورة التطورات الاقتصادية فى روسيا والصين، ولا يزال يفكر بعقلية القطب الأوحد عبر ضرب روسيا ثم الصين، وبالتالى ليس هنالك ما يشير لأى بوادر على وقف الحرب، والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى شديد الحماس للاتجاه غربًا، وربما يكون أشد ضراوة فى الانتماء للغرب من الغربيين أنفسهم».
وواصل: «الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وجد هذه النزعة الغرامية للغرب لدى الرئيس الأوكرانى، فشجعه وحرضه على الروس، بالرغم من أن هذه الأمور لا تبرر عدوان روسيا على دولة مستقلة، لكن زيلينسكى وكراهيته لروسيا تفوق أى شىء آخر، وأراد بالفعل أن يتجه غربًا، وحتى اللحظة يطالب بالانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبى، بالرغم من العلاقات القديمة بين بلاده وروسيا».
وأشار إلى أن أزمة الحبوب والزيوت ستبقى موجودة، ما لم تجد الدول المستوردة مصادر أخرى، وحتى لو وجدت فستبقى الحاجة موجودة، وحتى الآن يبدو أن تركيا تلعب دورًا إيجابيًا فى هذا الجانب، عبر تسلمها الحبوب وتمكين الدول من استيرادها.
ونوه إلى أن الدول الفقيرة، والتى لديها كثافة سكانية كبيرة، معرضة لأخطار أكبر، والوضع يتطلب الانتباه والبحث عن مصادر أخرى، حتى لو عبر تطوير مشاريع زراعية وطنية للاستغناء عن الاستيراد من الخارج. وتوقع استمرار الحرب طالما بقى مفتاح الحل عند الولايات المتحدة وأوروبا، مضيفًا: «لو أرادوا الإشارة على زيلينسكى بالتفاوض والاتجاه نحو روسيا كدولة ترتبط بعلاقات تاريخية مع أوكرانيا، واللجوء إلى القضاء الدولى فيما يتعلق بالأراضى المتنازع عليها لكان أفضل، لكن العواصم الغربية لا تريد الذهاب نحو هذا السيناريو، لاستنزاف موارد وقوة روسيا على المدى الطويل».