إرادة جيل
من الصعب أن تمضى مناسبة مرور عشرة أعوام على ثورة يونيو 2013، وكذلك على البيان الذى ألقاه القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسى فى الثالث من يوليو دون أن نتذكر تلك الأيام الثلاثة التى مرت بين الثورة والبيان، والتى كانت محل انتظار الشعب المصرى، الذى خرج عن بكرة أبيه ينادى قواته المسلحة بحمايته من مستقبل مظلم ينتظره إذا لم تبتعد عصابة الإخوان عن حكم البلاد والسيطرة على مفاصل الدولة بكل قوة من خلال عمليات إقصاء واستبعاد لكل الكفاءات التى كانت على رأس العديد من الوزارات، خاصة الوزارات السيادية، مثل وزارة الداخلية والإعلام والعدل، حيث قامت بإقالة جميع القيادات الأمنية، بل والصف الثانى منهم والاعتماد على الصفوف التالية ظناً منهم أنهم سوف يدينون بالولاء لهم كما جاءت بالمدعو/ صلاح عبد المقصود وزيرًا للإعلام، وهو أبعد ما يكون مؤهلًا لشغل هذا المنصب إلا من خلال رؤية جماعته وجميعنا كان يتابع تصريحاته ومداخلاته الغبية التى تدل على ضحالة الفكر وضعف الرؤية ثم جاءت بنائب عام وكذلك وزير للعدل، وكلاهما من الكوادر الإخوانية التى تدين بالولاء لحكم المرشد ويتلقيان من مكتبه التعليمات بحبس هذا ومصادره أموال ذاك لصالح الجماعة، بل كان هناك مخطط لأخونة الوزارة بالكامل واستبعاد كوادرها من رجال القضاء الشرفاء لزرع عناصر أخرى تدين لهم بالولاء وبالسمع والطاعة.
جيل كامل كان ينتظر استجابة قواته المسلحة وجيشه العظيم لندائه بعد أن اكتشف حقيقة تلك الجماعة بعد أن منحها الفرصة الذهبية للحكم وكاد يدفع الثمن غالياً وهو يرى الشهداء من رجال القوات المسلحة والشرطة والأبرياء من أبناء الشعب يتساقطون فى عمليات الإرهاب والترويع التى كانت تلك العصابة هى بطلها الأوحد وكان بقاؤها لفترة أطول من تلك التى حكمت فيها البلاد سوف يؤدى إلى اندلاع حرب أهلية لا محالة وكذلك لحالة من الاستقطاب الحاد بين طوائف وتيارات الشعب المصرى تمثل تهديداً لحياته ووجوده وأرضه ووطنه.
أغلب الظن أن تلك الأيام الثلاثة كانت هى الأطول والأصعب علينا جميعًا.. والأغلب أيضًا أن القوات المسلحة كانت لديها حسابات أكثر تعقيدًا، حيث لم يكن من السهل أن تتحرك دون أن تتأكد أن جميع القوى الشعبية والوطنية لديها الرغبة الصادقة والمخلصة لإسقاط هذا النظام.. بل إن هناك حسابات أخرى كان لابد من دراستها وهى تلك التى تتعلق بالمجتمع الدولى، لذلك فقد كانت قواتنا المسلحة حريصة على أن تعطى الفرصة تلو الأخرى لذلك الجالس على كرسى الحكم أن يضع نصب عينيه مصلحة الشعب المصرى بالكامل وأن يغلبها عن مصلحة قبيلته وعشيرته، ولكن هيهات أن يستجيب لنداء العقل ونحمد الله على عدم استجابته.. وكان يوم 2 يوليو هو الفيصل الذى رأت فيه القوات المسلحة أنه لا مناص من الانحياز لأبناء الشعب المصرى حيث استمعنا لخطاب غبى استمر أكثر من 3 ساعات لممثل الجماعة فى الحكم الذى عزلته شرعية الملايين فى 30 يونيو وانتظرنا جميعًا أى إشارة تفيد عودة الجماعة إلى صوابها ومحاولة اللحاق بالسطر الأخير من تاريخ وجودها على منصة الحكم إلا أن المعزول ظل غارقًا فى بحر من الغباء السياسى وراح يردد فى كوميديا بلهاء كلمة "الشرعية" أكثر من ثلاثين مرة وتجاهل بصلف وغرور وعناد شرعية الميادين.. كما شاهدنا وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى وهو يستمع إلى هذه الترهات بتعجب واستهجان، حيث علمنا فيما بعد أنه اتفق معه على نقاط معينة لامتصاص غضب الشعب المصرى إلا أنه تنصل عن أى اتفاق بينهما بناء على تعليمات وتوجيهات مكتب الإرشاد الفاشى الذى تصور أن ما يحدث فى جميع المحافظات المصرية ما هو إلا زوبعة سوف تنتهى صباح اليوم التالى.. لكنه الغباء السياسى الذى جعلهم يرفضون لغة العقل ويفتحون النار على جميع طوائف الشعب، فكان بيان 3 يوليو الذى أكد على استجابة الجيش المصرى الأصيل لمطالب شعبه تأكيدًا لثورته وتحقيقًا لمطالبه.
جاء يوم 3 يوليو حيث أصبح كل شيء مهيأً للانحياز لإرادة الشعب من قبل القوات المسلحة، وذلك بعد أن تقطعت السبل بين الجماعة الإرهابية وبين الشعب بكل طوائفه السياسية والاجتماعية والثقافية، وهو ما جعل الطريق ممهدًا أمام كل مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية ورموزها السياسية والحزبية فى الوقوف صفًا واحدًا لإنقاذ الوطن من براثن تلك الجماعة التى جعلت كل شبر فى مصر ينادى بإسقاطها وإبعادها عن الحكم.. ومن هنا فلم يكن هذا الشعب فى تلك اللحظات المصيرية يرضى بأقل مما جاء فى بيان 3 يوليو بديلاً.. كانت الملايين من الشعب المصرى محتشدة فى جميع ميادينها وكانت على يقين أن جيشها سوف ينحاز لها بغض النظر عن أى تداعيات أخرى إلى أن تم الإعلان رسميًا عن إسقاط حكم هذه العصابة التى ترتدى ثياب الدين ويعلن عن مرحلة جديدة من تاريخ الأمة المصرية ورحلة جديدة لاستعادة الوطن المسروق وعودة الروح إليه من جديد.
ظهر القائد أمام الملايين فى الميادين والشوارع والمنازل فى لحظة فارقة من حياة الشعب المصرى ليعلن عن الانحياز الكامل لإرادة هذا الجيل واضعًا مستقبله وحياته فداء له ولم يكن يفكر فى نفسه على الإطلاق، بل كان كل ما يعنيه هو كيف يعيد لهذا الشعب حقه فى حياة حرة مستقرة غير عابئ بالمخاطر والتهديدات والضغوط التى سوف يتعرض لها داخليًا وخارجيًا ومدى حجم المخاطرة وضخامة وخطورة القرار الذى اتخذه القائد عبد الفتاح السيسى، الذى وقف شامخًا حازمًا حاسمًا معبرًا عن الملايين المحتشدة والمنتظرة والمتلهفة فى الميادين لسماعه وهو يعلن عن إسقاط تلك الجماعة وإبعادها عن سدة الحكم فى بيان فاجأ به العالم وكل المتربصين والمتأمرين على مصر.
لقد أفشل هذا البيان مخططات الشر وتحطمت على جدرانه أطماعهم وأحلامهم فى السيطرة على مقدرات البلاد ومصائر العباد وأسقط الإخوان وأعوانهم وعادت الروح والوطن لأبنائه ليرسم معهم خارطة طريق نحو الأمل والعمل وبداية مرحلة جديدة لإعادة بناء الوطن وبداية مرحلة الجمهورية الجديدة .. إنها "إرادة جيل"، بل "إرادة أجيال".
وتحيا مصر.