محافظون وتجارب (7) محمد عثمان إسماعيل
قد يندهش قارئ هذا المقال من معظم ما سيرد فيه من معلومات عن واحدة من أهم محافظات مصر، وسيرتها ومحافظيها طوال الـ70 عاماً الماضية، وإذا دققت في المعلومات ستكتشف أنها ليست سيرة لمحافظة واحدة، بل هى سيرة لدولة كبيرة مرت بمراحل متعددة وخطرة كادت تعصف بها لولا أن حماها الله بأهلها وشبابها.
الحكاية والتفاصيل عن محافظة أسيوط، التي ظلمتها السينما والدراما وصورتها في معظم الأفلام القديمة بالمجتمع القروي، الحمير هي مواصلاتها والثأر هو تاريخها وحواديتها عن خُط الصعيد، لكن الحقيقية أن أسيوط هي سابقة محافظات مصر في المدنية ودخول عصر العلم والتحضر.
تشتهر أسيوط بصناعة الأكلمة والمفروشات والأثاث منذ القدم، كما بها عدد من الصناعات الكبرى والمتطورة مثل الأسمنت والأسمدة وتكرير البترول والأدوية وحلج وغزل الأقطان والأغذية، وتضم عشرات المناطق الأثرية الفرعونية والقبطية والإسلامية وعدد كبير من الأديرة أهمها دير العدراء بجبل درنكة آخر محطات العائلة المقدسة خلال زيارتهم مصر.
وأسيوط هي عاصمة الصعيد اسماً وفعلاً، فحتى سنوات قريبة كانت أسيوط تنفرد بتجمع معظم المصالح الحكومية لمحافظات الصعيد التي تبدأ بمحافظة بني سوسف وتنتهى في أسوان.
جامعة أسيوط هى أول جامعة إقليمية أُنشئت عام 1957، وبأسيوط أول فرع لجامعة الأزهر بكلياته العلمية والدينية.
وفي أسيوط أول مستشفي تعليمى يحمل اسم "قصر العيني" وهو المنافس الوحيد لمدينة المنصورة في حمل لقب عاصمة الطب.
وكما مرت على مصر أحداث تاريخية مهمة، شهدت أسيوط أيضاً مراحل مهمة ارتبطت معظمها بشخصيات المحافظين الذين حكموها وفقاً لمراحلهم المختلفة، فقبل ثورة يوليو 1952 أخُتير الشاعر الكبير عزيز أباظة محافظاً لها، وهو شاعر مصري يعد رائد الحركة المسرحية الشعرية بعد أحمد شوقي، وفي مرحلة البناء تولى مسئوليتها محافظون عُرف عنهم الجدية والإنجاز في العمل، منهم سعد زايد الذي أصبح محافظاً للقاهرة ثم وزيراً للإسكان فيما بعد، وممدوح سالم الذي أصبح وزيراً للداخلية ثم رئيساً للوزراء.
لكن أخطر مرحلة مرت على أسيوط هي مرحلة المحافظ محمد عثمان إسماعيل ابن قرية المعصرة التابعة لمركز الفتح الذي بدأ صعوده كمحافظ بتقربه من الرئيس السادات، مستغلاً عضويته البرلمانيه ومعرفته به من داخل الاتحاد الاشتراكي ووقوفه في مجلس الشعب معلناً تأييده لترشيح السادات لرئاسة الجمهورية، ثم إحضاره عددا كبيرا من أهل بلده يحملون السلاح ومحاصرة بيت الرئيس، مدعياً أنهم يحمون الرئيس مما عرف وقتها بقضية مراكز القوى لحماية الرئيس في بداية حكمه.
تم تعيين محمد عثمان إسماعيل مستشاراً لرئاسة الجمهورية في البداية، ثم محافظاً لأسوان من 8 أبريل 1971 إلى 3 يونيو 1971، ثم محافظاً لبني سويف من 1971 إلى 1972، ثم محافظاً لأسيوط بداية من 1973 حتى عام 1982 .
أعترف محمد عثمان إسماعيل، هو بنفسه، في مذكراته بأنه صاحب مشروع تكوين الجماعات الإسلامية، ويقول إنه أرادها إسلامية وليست إرهابية.
ودخلت المحافظة الآمنة عصراً من التفرقة بين عنصري الأمة ولعب على العنصرية الدينية ولم يهمه الفتنة الطائفية حتى صحونا على كارثة اغتيال الرئيس السادات يوم 6 أكتوبرعلي أيدى نفس الجماعات الإرهابية التي اعترف محمد عثمان إسماعيل بأنه صاحب فكرة تأسيسها، ثم مجزرة أسيوط بعدها بيوم واحد والتى يطلق عليها مجزرة عيد الأضحى يوم 8 أكتوبر 1981، حيث كانت صلاة عيد الأضحى هى ساعة الصفر للجماعات الإرهابية لتنفيذ مخطط عزل أسيوط وإعلانها ولاية إسلامية بعد اغتيال السادات، فتعرضت المحافظة إلى هجوم مسلح من الإرهابيين كانت حصيلته 118 شهيداً من الشرطة والمواطنين إلى جانب آلاف الجرحى والمصابين.
وعاشت أسيوط منذ ذلك اليوم عصراً جديداً من الإرهاب وما نتج عنه من تغيرات في المجتمع بداية من حصار الكنائس بالحواجز الأمنية والطرق بالكمائن لمدة تزيد على 30 سنة متواصلة، وحُوصرت المدن والقرى والجامعات بالإرهاب.
وكان الأمن المصري قد حذر من وجود شخص محمد عثمان إسماعيل كما قال اللواء فؤاد علام وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق والخبير في شئون الجماعة في كتابه "الإخوان.. وأنا": لقد حذرنا الرئيس السادات من أن محمد عثمان إسماعيل كان من الإخوان وهو مقرب من القيادات الإخوانية محمد عبدالعظيم لقمة وعمر التلمساني ومصطفي مشهور وغيرهم، وكان عضواً قيادياً نشطاً في شعبة الإخوان في أسيوط"، ولكن السادات تجاهل كل ذلك وعينه محافظاً لأسيوط، وجدد له لثلاث فترات متتالية، وعينه برتبة وزير، رغم أن المحافظين وقتها كانوا برتبة نائب وزير فقط، ودفعت الشرطة المصرية ثمناً غالياً من تحمل عبء مواجهة الإرهاب الأسود الذي لم ينته بانتهاء عصر محمد عثمان إسماعيل، بل إنه بدأ بعد رحيله.
ويكشف اللواء فؤاد علام "عن اجتماع جرى في مقر الاتحاد الاشتراكي حضره إبراهيم دكروري ومحمد عثمان إسماعيل واتخذ خلاله القرار السياسي بدعم نشاط الجماعات الدينية مادياً ومعنوياً.. واستخدمت أموال الاتحاد الاشتراكي في طبع المنشورات وتأجير السيارات وعقد المؤتمرات إلى جانب شراء المطاوي والجنازير التي دخلت لأول مرة إلى الحرم الجامعي وتتحول الجنازير والجلباب الأبيض القصير إلى مظهر من مظاهر شوارع أسيوط، ليتضح أن دور محمد عثمان إسماعيل كمحافظ لم يكن في بناء تنمية في أسيوط، إنما يسجل التاريخ دور أحد محافظي مصر في بناء التنظيمات الإرهابية في مص، والتاريخ لا ينسى ولا يكذب.. وللحديث بقية.