حلف الثلاثين من يونيو
هو حلفي .. وحلف المصريين وحلف أحفاد الملك رمسيس وأحمس ومينا .. هو حلف مصر الأصيل وهو الحلف الذي يليق بمصر الأصالة والمعاصرة .. هو الحلف الثابت والراسخ القابض على الحق ضد هلاوس وضلالات الباطل ومن يدّعون الحق وهم عين الباطل والفجر الذي ظهر لحظة الخصومة عندما قضى هذا الشعب الأصيل على أحلام وطموحات الجماعة المجرمة التي خططت للانقضاض على مصر وتاريخها وعقولها .. ففي مثل هذا اليوم (الثلاثين من يونيو) وفي الأيام التي تلت ذلك التاريخ المبارك الذي لم يكن مباركي الهوى بل كان شعبي الهوى والتوجه .. حاول المسلحون الانقلابيون فيه السطو على شرعية ثورة (الثلاثين من يونيو) كما فعلوا في ثورة الخامس والعشرين من يناير بسلاحهم العشوائي
ولا يفل السلاح إلا السلاح .. فانتصر السلاح المقنن (سلاح الدولة) على السلاح العشوائي
فالدولة تحتكر القوة في كل دساتير العالم.
ولم يحدث في تاريخ العالم أيضًا أن انتصرت جماعة على دولة.. ومصر ليست مجرد دولة أو دويلة في مشروع الخلافة المزعوم من قبل جماعات القبح وكراهية الحياة بل أمة
يؤرخ لعمرها بعمر النور في الدنيا، وعمر النور في الدنيا يؤرخ له بعمر النيل
وقبل ذلك التاريخ الذي أقل ما يمكن أن يوصف به أنه تاريخ مجيد..عانت أمتنا من محاولات التغلغل والتسلل للشخصية المصرية واختراقها بالتراكم على مدار ٤٠ عامًا، أي منذ اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات (بطل الحرب والسلام) على أيادي التكفيريين واختراقهم لمجتمعنا ومنظومة قيمنا ولُحمتنا الوطنية والفسيفساء المصرية النقية العريقة ليختلط الحابل بالنابل ويصير التعصب والتمييز والتصنيف والاحتقان والتطاحن هو سيد الموقف ليس فقط في مصر بل في الشرق الأوسط كله .. وتم خلق شرق أوسط جديد تمت أسلمته سياسيًا وتديين شعوبه بالدين العرضي الشكلاني حتى وصلنا لداعش ومارس أتباعها الذبح والحرق فذبحوا وحرقوا هنا وهناك تمامًا كأجدادهم الخلفاء العثمانيين الذين ارتكبوا مذابح ومخططات إبادة في حق الأرمن والسريان .. ولولا يقظة الشعب وصحوته من غفوته التي لم تطل وكذلك يقظة جيش مصر وانتصاره للشعب وإرادته. فالجيش المصري عنصر أصيل ومتجذر يقع في قلب الضمير المجتمعي لهذا الشعب.. وأدركت القيادة السياسية- وكان لديها الإرادة والعزم والتصميم - ضرورة بل و حتمية التنبه للخطر المحدق بالبلاد وشعبها وما يُحاك لها من مخططات في الخفاء .. ومن ثم إدراك اللحظة الحاسمة .. لاستمر نزيف الدم وغسل العقول والأدمغة بأصولية مقيتة، لذلك سقط مخطط الشرق الأوسط الجديد وفشلت الفوضى الخلاقة وعادت داعش لخبائها ولم يعد للسلفية مكان في شوارعنا وحوارينا، ولم تعد لديها ذات السطوة والسلطة ومحاولات السيطرة على عقول وحيوات البسطاء والفقراء الذين منحتهم الدولة ووفرت لهم حياة كريمة وأوجدت لهم نظامًا من التكافل يضمن لهم الكرامة والحق في الحياة الكريمة كي لا يترك هؤلاء لأنياب التطرف والأصولية وشراء الذمم وغسل العقول وتجنيد الشباب واللعب على الأوتار العاطفية بالترغيب والترهيب والوعود الواهية والحض على الكراهية وتكدير السلم العام وإشاعة الفوضى .. وذهب كل ذلك الهراء ومعه مشاريعهم الوهمية وصارت جميعها في مهب الريح وفي مزابل التاريخ وكأنهم لم يكونوا أو كانوا مجرد ماضٍ مقيتٍ لا حاضر له ولا مستقبل ذهب مع رياح التصحر التي ابتعدت عن وادينا الأخضر وتخلصنا من الجراد وكل ما كان يأتي على أخضرنا ويابسنا وسمائنا وبحورنا وقنواتنا، وأراد التمكن من غدنا ومستقبلنا وثقافتنا وتعليمنا وتعاليمنا السمحة .. وما ينقصنا الآن هو التأكيد على ضرورة وأهمية استعادة الروح المصرية الأصيلة بعراقتها المعهودة التي تحاكي الزمان .. وأن تعود الشخصية المصرية لجذورها الراسخة وعمقها التاريخي وثرائها وتنوعها ليعم السلام ودين السلام مصرنا التي تتسع للجميع ولا تضيق إلا على الكارهين المخربين من أهل البغضاء.. فمصر استطاعت عبر تاريخها العريق والمعاصر تمصير كل شيء حولنا وكل شيء على أرضها.
ومصّرت مصر - حتى من غزاها - ومن عاش على أرضها من الأجانب والعرب وأضفت من روحها ورحابتها، على الأفكار والرؤى والمعتقدات.. وبقوتها الناعمة غزت قلوب العالم وأفئدته.. حتى دين الإسلام صبغته مصر بصبغتها الرحبة وأصبح هناك ما يصطلح على تسميته بـ(الإسلام المصري) وقرآن الله المجيد الذي نزل في شبه الجزيرة العربية ليقرأ هنا في مصر وتصير مصر هي دولة التلاوة والتجويد.. ويأتي إليها المتعطشين للتعلم من كل فج عميق، وصدرت مصر في مرحلة ما تلك النسخة الأصيلة السمحة التي لا بد من تصديرها دومًا للعالم الإسلامي واعتمادها كنسخة أصيلة آمنة رحبة تسع الجميع ويطمئن لها من يهفون للطمأنينة، فمصر من يدخلها ويعيش على أرضها يعيش في سلام وطمانينة وأمن وتحيط به مياه النيل وما حولها من زرع ليشعر بالسكينة الأبدية التي لا تتسق أو تتماشى مع أي محاولات لخلق عنف أو تطرف أو أصولية، فشخصية مصر يمكن تشبيهها بالمركب الشراعي الذي يسير بهوادة وتدفعه الريح دفعًا رهيفًا لا مغالاة فيه ولا مخاطر تحول بينه وبين من يجلس على ضفافه مستريحًا.
وثقافة مصر هي جزء لا يتجزأ من ثقافة النيل الذي قد يغضب أحيانًا لكن لا يدمر.. يفيض أحيانًا ولا يطغى وتحيطه السدود لتحميه ولينتظم في سيره ويروي الزرع الأخضر، أما النبت الشيطاني فيقلع دومًا من جذوره لتظل الأعماق نظيفة لا يستطيع أحد تدنيسها.. هذه هي مصر التي قضت على أحلام الطغاة، وقهرت قاهرتها الغزاة والأعداء عبر التاريخ ولم يستطع أحد التمكن منها وكانت دومًا عصيةً تؤثر أكثر مما تتأثر .. وما تأثرت به بفعل رياح التصحر ها هي تتطهر منه وتطرده بعيدًا عن ترابها الذي ترويه المياه النقية لينبت الزرع والخيرات وتمكث خيراته في الأرض، أما الرياح المتصحرة فهي كالزبد الذي لا يستطيع المكوث على الارض ويضيع جفاءً.