"محافظون وتجارب " (6) وجيه أباظة
8 سنوات تولى فيها السيد . وجيه أباظة محافظاً للبحيرة مرعليها ما يزيد عن نصف قرن ومازالت هي التجربة الأفضل في تاريخ محافظة البحيرة
55عاما مرت ومازالت تجربة وجيه أباظة - مع حفظ الألقاب - هى الأفضل الباقية في ذاكرة أبناء البحيرة رغم تولي محافظين عظام أخرين ، إلا أن التجربة الحقيقية التي يمكن أٍن يتم توصيفها وتحفظها ذاكرة الأمة هي التي أبتدع صاحبها منهجاً مختلفاً نتج عنها إنجازات باقية ومؤثرة تستفيد منها الأجيال المتعاقبة .
قبل الخوض في تفاصيل تجربة وجيه أباظة كمافظ يجب أن نشير لتاريخه كرجل دولة وطني بدأ حياته ضابطاً في القوات الجوية والمخابرات ، ثم مناضلاً ضد قوات الإنجليز في منطقة قناة السويس ، تخصص في مهاجمة معسكراتهم والإستيلاء على أسلحتهم لتوفيرها للجيش المصري في حرب فلسطين ، ثم عضواً في تنظيم الضباط الأحرار وتنازل بإرادته عن عضوية مجلس قيادة ثورة يوليو ليتفرغ للعمل الشعبي ثم عمل في الحكم المحلي كمحافظ للبحيرة ثم محافظاً لمحافظة الغربية الوليدة في ذلك الوقت ، ثم محافظاً للقاهرة لمدة عام ، ثم سجيناً بين عامى 71 و76 ثم رجل أعمال ناجح جداً.
توفي - رحمه الله - عام 1994 ، وتزوج من الفنانة الكبيرة ليلى مراد بداية الخمسينات وهى والدة ابنه رجل الأعمال أشرف وجيه أباظة
.وله ابناء من زوجة اخري أكبرهم المهندس عزيز اباظة الذي يلعب دور مهم في ادارة اعمال العائلة التي رباهم علي التماسك والعصامية .
وضع وجية أباظة أسُس عمل أي محافظ ناجح يمكن أن يأتي بعده
- ولو عمل بتلك الأسس كل محافظي مصر لأنتقلت بلدنا لعصر مختلف ولعاش شعبنا عيشة مختلفة – فكان برنامج عمل وجيه أباظة كمحافظ يبدأ في السادسة صباح كل يوم بالمرور على المستشفيات والوحدات الصحية ، ثم يقوم بزيارات مفاجأة على المدارس ومكاتب الخدمات الحكومية ومدريات الزراعية والمرور والإرتكازات الامنية
إبتدع – أباظة - فكرة اللقاء الاسبوعي بالمواطنين حيث كان يقيم لقاءً أسبوعياً يحضره جميع مسؤلى المحافظة وعدد كبير من المواطنين بما يشبه مؤتمر حوار وطني مصغر يتخذ خلاله القرارات بشكل مباشر لصالح المواطنين بعد الوقوف على ثغرات القانون التي تعطل مصالح الناس .
ويحسب لوجيه أباظة أنه أول من كسر الروتين ، ووظف القانون لخدمة المواطنين وأول من جمع بين العمل الشعبي والأهلي والعمل التنفيذي ، وبالجهود الذاتية أسس عدد كبير من الساحات الشعبية ومراكز الشباب بعدما أعتمدت الدولة في ذلك الوقت مبلغ 20 جنيهاً دعماً سنوياً لإنشاء ساحتين فقط ، قال هو عن هذا المبلغ "سوف نحتفظ به في متحف المحافظة و سوف نوفر نحن التمويل اللازم لإنشاء الساحات الشعبية " وبالفعل إستطاع إنشاء 11 ساحة ومركز للشباب كانت تقدم لشباب المحافظة فقرات موسيقية وتحفيظ وأستماع للقرأن الكريم يدعوا فيها كبار القراء أسبوعياً ، ثم نجح في إنشاء استاد دمهنور الرياضي .
وهو أول محافظ يعتمد نظام الجمعيات التعاونية لتوفير المساكن للمواطنين بالجهود الذاتية بعيداً عن الدولة وبنظام القروض الميسرة ساعد صغار المقاولين للمساهمة في توفير الشقق السكنية والمناطق العمرانية المخططه لأهالي البحيرة .
عند زيارة وجيه أباظة إلى محافظة مطروح لاحظ أن جميع المصيفين والزائرين يتناول لحم الماعز والضائن فقط فلا يوجد غيره في تلك المحافظة ذات الطابع البدوي ، ففكر في توفير اللحوم العجالي التي لا يعرفها مجتمع مطروح مستغلا طبيعة البحيرة الزراعية .
فأسس جمعية تنمية الثروة الحيوانية بالجهود الذاتية ، وبدأت صفقات بيع العجول حتى أصبحت البحيرة المصدر الأهم لإنتاج العجول وتوفيرها لمطروح والأسكندرية وبعض المحافظات المجاورة .
عرف وجيه أباظة كمحافظ للبحيرة بين عامى - 1960 – 1968- بعشقه للفن خاصة الفن الشعبي ، وقد لاحظ تزايد أعداد المتعطلين عن العمل والمشردين ، فبدلاً من توجيه حملات مطاردة الجائلين و ولعبة "حلق حوش " بينهم وبين أجهزة الدولة ، و برؤية إجتماعية وعين فنية شكل من هؤلاء فرقة دمنهور للفنون الشعبية، فصنع من " المشردين " و بروح وطنية أتسمت ببعد النظر والصبر والتدريب فرقة فنون جابت معظم دول العالم و كانت حديث المصريين و هى الفرقة الوحيدة التي ألتقط معها الزعيم جمال عبد الناصر صوراً تذكارية لأنها تكونت من الطبقات الشعبية ، وأصبحت أحدى معالم البحيرة، وقدمت عروضها على أكبر المسارح و دار الأوبرا المصرية .
أستغل أباظة حب أهالي البحيرة وإتقانهم لمهنة غزل السجاد فأسس لهم مصنع سجاد دمنهور حتى أصبح أحد القوى الصناعية المهمة في البحيرة ومصر ومصدر مهم لتشغيل الايدى العاملة .
ومن المواقف التي تحسب للدولة وللمحافظ وجيه أباظة أنه عندما فكر في تحسين الوضع الصحي بالمحافظة ، أتفق مع وزير الصحة الدكتور في ذلك الوقت النبوي المهندس و كان تخصصه طب أطفال على القيام بزيارة اسبوعية لمستشفى دمنهور ليقوم بالكشف بنفسه على المرضى و يرفع من معنويات الأطباء، وقد كان مستشفى دمنهور مقصداً للمصريين من المحافظات المجاورة و مزاراً للوفود الأجنبية.
ويبقي في ذاكرة البحيرة موقف شعبها من قرار الرئيس جمال عبدالناصر بنقل وجيه اباظة لمحافظة أسوان ليكون محافظاً لها خلال فترة إنشاء السد العالي ، فرفض شعب البحيرة بفئاته المختلفة ونظموا رحلات للإعتراض على القرار و نظموا وقفات أمام القصر الجمهوري حتى عدل الرئيس عن القرار ليستمر عطاء أبن مصر البار للبحيرة وأهلها حتي أكمل عطاءه فيما بعد في مكان آخر .. رحمه الله !