الطريق لـ٣٠ يونيو
أيام قليلة وتحل الذكرى العاشرة لثورة «٣٠ يونيو» والتى هى حدث تاريخى كبير بكل المقاييس.. وأظن أن الذكرى العاشرة تصلح مناسبة لمؤتمر تاريخى تستضيفه كلية الآداب فى جامعة القاهرة، بالاشتراك مع جهات مختلفة سعيًا لإطار أكاديمى يضع ثورة الثلاثين من يونيو فى إطارها التاريخى كحدث غيّر مستقبل الشرق الأوسط بأكمله وأفسد سيناريوهات تم إعدادها طوال سنوات طويلة سبقت ٣٠ يونيو.. ولعل ثورة يونيو تتشابه فى هذا مع ثورة ٢٣ يوليو التى غيرت شكل الوطن العربى بكامله، ومثلت نموذجًا احتذت به الشعوب العربية كلها فى سعيها نحو حلم النهضة المشروع، بغض النظر عما آلت إليه الأمور ومسئولية الأطراف المختلفة عنها.. ولم يتوقف تأثير يونيو على إفشال مخططات حكم الإخوان وحلفائهم للوطن العربى وتهديدهم الصريح لدول الخليج الشقيقة وإسقاط حكم الإخوان فى تونس وإفشال مخططاتهم لإسقاط الدولة السورية وإيقاف الأمور فى ليبيا عن التدهور فى اتجاه حكم الميليشيات بقدر الإمكان.. بل امتد أثر دعوة يونيو لإصلاح الخطاب الدينى وتحريره من اختطاف المتطرفين لدول عربية عدة وكبرى وذات تأثير كبير فى عالمها ومحيطها انطلقت فى طريق إصلاح الخطاب الدينى بعد أن أشعلت مصر الشرارة الأولى.. وعلى عكس ما يرى البعض فإن ثورة يونيو لم تقم احتجاجًا على العامين اللذين حكم فيهما الإخوان مصر وعاثوا فى الأرض فسادًا ومارسوا الاستقواء على المصريين وهددوا ثوابت الدولة المصرية.. اجتهادى الشخصى فى فهم يونيو أنها كانت ثورة على ميراث طويل من التراجع دخلت فيه الدولة المصرية بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧ وتخيل فيه بعض حكامها أن تقليص دور مصر وخفض سقف أحلامها قد يكون هو جواز المرور فى عالم قاس عاقب مصر المرة تلو المرة على أحلامها فى التوسع ولعب دور يليق بها فى منطقتها وعالمها.. والحقيقة أن سنوات التراجع وتخفيض الاستثمار العام والاعتماد على معونات بعض الدول مقابل عدم منافستها فى المنطقة لم تؤد إلى حالة رضا عام لدى المصريين.. بل نشرت شعورًا عامًا بعدم الاعتزاز بالذات القومية وبكراهة الوطن، والحقيقة أيضًا أن تراكم عوائد النمو فى السنوات الخمس التى سبقت يناير ٢٠١١ تركز فى جيوب قلة قليلة من رجال الأعمال ما أدى لشيوع الإحساس بالظلم الاجتماعى وانعدام العدالة والفرص، والحقيقة أيضًا أن تراجع استثمارات الدولة فى المجال العام أدى لانهيار فى الخدمات والبنى التحتية أتاح لجماعة الإخوان أن تتحول لدولة بديلة وأن تحكم الشارع والمجتمع مقابل التسليم بحق المسئولين فى البقاء على مقاعدهم.. وقد كانت هذه كلها مقدمات الانفجار الذى حدث فى يناير ٢٠١١ والذى شعر الكثيرون بعده أن ما حدث كان يجب أن يحدث.. لأن السلبيات المتمثلة فى الركود وتركز الثروة فى عائلات قليلة وانهيار الصحة والتعليم وانتشار العشوائيات وتصاعد التطرف.. هذه السلبيات منعت الناس من رؤية الإيجابيات الموجودة والتى كانت تتمثل بشكل أساسى فى رخص أسعار الأغذية والخدمات مع تراجع مستواها.. وهى حالة شبيهة بحالة مصر قبل ثورة ٢٣يوليو.. حيث رفض الملك فاروق والوفد تنفيذ مطالب الإصلاح الزراعى المتصاعدة أو تخفيف حدة الاحتقان الاجتماعى فتحرك الجيش وأيده الناس تأييدًا ليس له مثيل.. لأن المطالب التى رفعها كانت مطالب موجودة فى المجتمع بالفعل ولم تخترعها ثورة يوليو.. نفس الأمر ينطبق تمامًا على ثورة ٣٠ يونيو التى لا أقول مبالغة فى وصفها بأنها ثورة عظيمة آمن قائدها بحق مصر فى التنمية وفى دور يليق بها واجتهد فى السعى لتحقيق مخطط تنموى بالاستعانة بجيش مصر وبكل القوى الوطنية والمخلصة فى المجتمع.. ورغم ضغط الأزمة التى نعانى منها جميعًا ويتحملها المصريون بصبر يُحسب لهم، إلا أن ما تم بناؤه على الأرض كثير وسيبقى للأجيال القادمة تمامًا كما بقى ما أسسه حكام مثل محمد على باشا وإسماعيل بن إبراهيم بن محمد على وجمال عبدالناصر.. والذين بقيت أعمالهم حتى الآن شاهدة لهم لا عليهم.. نراها فنذكرهم بالخير جزاء ما قدموه من عمل ينفع الناس.. وأنا أظن أن ما أنجزته مصر فى العشر سنوات الأخيرة كان إنجازا مهمًا وضروريًا لا يقل عن إنجازات هؤلاء الحكام العظام وغيرهم الذين ظلمتهم القاعدة التى تقول إن «المعاصرة حجاب»، والمعنى أن إنجازات الشخص المعاصر لنا لا تتضح لنا قيمتها وقت حدوثها ولكن بعد مرور سنوات عدة.. تتسع فيها الرؤية وتتوقف سموم الدعايات وتتضح الحقيقة كاملة.. وأنا أظن أن هذا كله سيحدث مع ما أنجزته مصر منذ ٣٠ يونيو وحتى اليوم.