بغداد- العريش
بعض الأخبار تستحق أن نتوقف أمامها كثيرًا.. يظهر الخبر بصورة بسيطة وربما بريئة.. لكن خلفه الكثير والكثير.. من هذه الأخبار خبر نشرته وكالة الأنباء الروسية عن خط تجارى جديد بين العراق والأردن ومصر.. يهدف هذا الخط إلى نقل البضائع العراقية والأردنية إلى العالم عبر مصر.. ستصل البضائع من العراق إلى ميناء العقبة الأردنى بالبر، ومن العقبة ستدخل مصر عبر ميناء طابا الذى لا يبعد عنها سوى ١١ كيلومترًا فقط.. ومن طابا بالبر إلى موانئ البحر المتوسط ومنها إلى أوروبا.. إن هذا الخط التجارى الجديد يبدو أنه ينافس عدة مشاريع مقترحة قيل إنها ستنافس قناة السويس.. منها خط قيل إنه سينقل النفط العراقى إلى أوروبا عبر تركيا.. وخطوط أخرى قيل إنها ستصل بالبضائع العربية إلى إسرائيل ومنها إلى أوروبا عبر البحر الأبيض.. لكن على ما يبدو فإن كل هذه الخطوط المنافسة تبدو وكأنها أفكار على الورق، وأنها ستبقى أفكارًا على الورق.. فى حين أن خط «بغداد- العريش» فى طريقه لأن يصبح حقيقة واقعة.. على ما يبدو أيضًا أنه بدأ أوان الاستفادة من التطوير العملاق الذى قامت به الدولة للموانئ المصرية والاستثمارات التى استثمرتها فيها، وربما يكون هو إحدى خطوات تحويل مصر لمركز عالمى للنقل وتجارة الخدمات.. إن تجارة الخدمات أو صناعة الخدمات نوع مميز جدًا من الصناعة استهدفت مصر منذ ٢٠١٤ أن تتميز فيه.. ميزة صناعة الخدمات هذه أن مصر تملك فيها ميزة نوعية لا يمكن منافستها.. هى الموقع.. مصر تملك موقعًا فريدًا كما درسنا فى مناهج الجغرافيا طوال سنوات.. لكن المفارقة أننا طوال عقود طويلة لم نسع للاستفادة من هذا الموقع الفريد إطلاقًا.. بل إن دولًا أخرى فى المنطقة احتكرت صناعة الخدمات والنقل والموانئ بينما نحن لا نفعل شيئًا فى هذا المجال.. كنا نكتفى بالكلام عن موقع مصر ونتحدث لبعضنا البعض عن ضرورة تأسيس إقليم اقتصادى فى قناة السويس.. لكننا لم نكن ننفذ شيئًا.. لم نغير طريقة التعامل مع الواقع إلا منذ ٢٠١٤، هذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر.. الآن إلى جانب قناة السويس التى شهدت أول عملية لتموين السفن منذ أيام.. هناك محور جديد للنقل البرى البحرى يمكن أن نسميه مجازًا محور «بغداد- العريش» والأكيد أنه ستتلوه محاور أخرى.. تصل فيها البضائع بالبحر لموانينا وتنقل بالبر إلى موانئ أخرى تطل على المتوسط ومنها إلى أوروبا أو أى جزء من أجزاء العالم المختلفة.. ميزة صناعة الخدمات أن أحدًا لا ينافسنا فيها.. لو صنعنا كمبيوتر مثلًا فإن مائة دولة يمكن أن تنافسنا وتقدمه بسعر أرخص أو مواصفات أفضل.. لكن كل هذه الدول لا تستطيع أن تنافسنا فى صناعة النقل والخدمات والموانئ والتخزين.. لأن موقعنا يخدمنا فى هذه الصناعة، ولأن أرباحها وفيرة جدًا وتفوق أرباح الصناعة التقليدية.. ولا يعنى هذا إطلاقًا أن نهمل الصناعات التى لدينا فيها ميزة منافسة، مثل الغزل والنسيج والكيماويات وتكرير البترول والأسمنت والسيراميك والكوارتز والمواد الغذائية.. وهذه كلها موضوعات يجب أن نتناقش فيها كثيرًا ضمن ملف الحوار الوطنى.. شىء جميل أن نتناقش حول أفضل السبل للتنمية.. وأن يشرح المسئولون للناس ما يتم إعداد البلاد له.. خصوصًا إذا كان جنى الثمار قد اقترب أو بدأ.. الناس تحتاج لأخبار جيدة.. فإذا كانت هذه الأخبار موجودة، فلماذا تخفيها الحكومة ونعرفها من وكالة الأنباء الروسية؟ صحيح.. لماذا؟