سيد فلاشة.. حاجز البيانات..
أصبحنا نعتمد بشكل أساسى على "جوجل" للسؤال عن أى شيء نجهله ونريد معرفته، وهو الأمر الذى زاد تدريجيًا، خلال الفترة الأخيرة، بعد التطور المذهل والسريع للذكاء الاصطناعى واستخداماته حتى تراجعت مكانة قراءة الكتب وتجاهلنا الرجوع إلى المتخصصين والخبراء.
تعاظم استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعى، حتى وصل الأمر إلى أن الإعلان عن أى مسألة شخصية.. نجاح أو التخرج من الجامعة أو عمل جديد أو حصول على جائزة أو التعرض لحادث أو حتى حالة وفاة، وكأن اعتماد الإعلان عنه من خلال صفحات السوشيال ميديا.
وزاد من ارتباطنا بالمنصات والبرامج والتطبيقات ما توفره من خدمات، سواء مدفوعة مسبقًا أم لا، مثل ما يخص الرجيم ونظامه، والبورصة ومتابعتها وتحليلها. وأصبحت تلك الوسائل هى المصدر الرئيسى والملاذ لمتابعة كل جديد حتى البحث عن البدائل المختلفة لقضاء الإجازات بين أفضل الفنادق والقرى السياحية.
البركة دائمًا فى الشيخ جوجل، أنت تسأل وهو يجيب، ولديه إجابة لكل سؤال دون تمرد أو اعتراض، وهو الذى يحدد لك خريطة الطريق التى عليك اتباع تعليماتها.
تغيرت حياتنا، وزاد اعتمادنا بشكل مرعب على الإنترنت والتكنولوجيا والسوشيال ميديا. نتبرع لهم بمعلوماتنا وبياناتنا دون أن يتدخل أحد أو يطلب منا ذلك، وأصبحت معلومات حياتنا اليومية لنا ولأسرنا وأصدقائنا متاحة ومخزنة على سيرفرات متقدمة جدًا، وما يحدث من عواقب كثيرة نتيجة ذلك.
لا نعلم تحديدًا إلى أى مدى تتم إتاحة بياناتنا الشخصية، مثل الاسم والعائلة والعمر والنوع والطول والوزن والعنوان، والبيانات العامة مثل العمل والحالة الصحية والعادات اليومية والمعتقدات والاتجاهات الفكرية والسياسية.
هذه البيانات والمعلومات مهمة جدًا أولًا لمن يسعى للحصول عليها وامتلاكها، وثانيًا لتوظيفها واستغلالها من خلال شركات الإعلانات وشركات التكنولوجيا المتحكمة فى العالم الآن.
تقوم هذه الشركات عابرة القارات برصد وتحليل كل معلوماتك وبياناتك المعروضة على صفحاتك الشخصية لتحللها وتستنتج منها ما تبحث عنه لتحديد اهتماماتك وتفضيلاتك وربما استنتاج اتجاهاتك المستقبلية.
معلومات وبيانات مخزنة على سيرفرات ضخمة متقدمة هناك.
عند سيد.. مين سيد؟
الإجابة بصوت عادل إمام: ده واحد صاحبى متعرفهوش.
فى حقيقة الأمر، أنت الذى تكتب بياناتك بنفسك على البرامج والتطبيقات، ولكنك لا تملك التحكم فيها بعد ذلك، ولا تعرف تحديدًا من هو المتحكم فيها، مهما كانت حسابات محمية وسرية! لأنها تباع ويتم تبادلها واستغلالها واستخدامها بين الشركات ضمن صفقات تتم بدون علمك أو موافقتك.
السؤال: هل طرح البيانات الشخصية دون علم صاحبها واستغلالها بطرق مختلفة هو إجراء قانوني؟
للأسف، نوقع جميعنا بالموافقة على عقود مع شركات الاتصالات بدون قراءة الشروط التى ينص عليها العقد، وهو ما يمثل موافقة صريحة منا على ما وقعنا عليه، والعقد شريعة المتعاقدين.
العقد يشرع الخدمات المتبادلة، ففى مقابل استخدامك البرامج أو التطبيقات أو المنصات، يتم استغلال بياناتك. ولا تنس فأنت من وافقت وضغطت بكامل إرادتك على Accept.
ترى، هل نذكر كم عدد المرات التى وافقنا فيها بدون قراءة الشروط وسياسة الخصوصية؟ لأنه لو رفضت لن يتاح لك استخدام تلك التطبيقات والمنصات.
نحن فعليًا نتعرض لأكبر خدعة قانونية وتقنية فى نفس الوقت.
البيانات الشخصية لها قانون يحميها، مثل القانون الأوروبى العام لحماية البيانات الشخصية، والمعروف اختصارًا بـ GDPR لحماية البيانات وطرق معالجتها ويضمن حقوق أصحاب البيانات، والذى تم سنة سنة 1995، وتشريعه سنة 2016، ودخوله حيز التنفيذ سنة 2018.
ساعد إصدار القانون الأوروبى على إلزام الشركات بحماية بيانات المواطنين، وتجريم من ينتهك خصوصية البيانات وتوقيع غرامات عليها. وفى مصر صدر قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020 والذى يتوافق مع قانون الاتحاد الأوروبى من أجل حماية بيانات المواطن المصرى.
نقطة ومن أول الصبر..
نحتاج إلى تفعيل قانون حماية البيانات الشخصية بإصدار لائحته التنفيذية لتحقيق المعايير الخاصة بحماية البيانات، والحد من استهداف المواطنين واستغلالهم بالإعلانات والاتصالات والرسائل النصية والصوتية بدون أى مراعاة لخصوصياتهم.
بياناتنا للأسف، أصبحت مع سيد فلاشة الذى لا يترك فرصة للربح إلا ويقتنصها.
سيد فلاشة اسمه هو حاجز البيانات. الذى يحتفظ بكل البيانات والمعلومات حتى التى تحذفها. فهل سألت نفسك: إلى أن يذهب ما تنقله إلى سلة المحذوفات؟
سيد فلاشة الذى كون ثروته بسبب بيع بياناتك ومعلوماتك إلى شركات سماسرة البيانات العالمية التى هى محرك الاقتصاد الرقمي.
عالم سمسم للأسف!
صوت عادل إمام يعود: تشرب ليمون بالنعناع، ولااا شاى بالياسمين.