ماذا يريد المسرحيون من الحوار الوطنى؟.. كلاكيت آخر مرة
استجابة لمبادرة الروائية عضوة مجلس النواب ضحى عاصى، تشرفت بتنسيق واقتراح محاور لجلسة نقاش عقدت بحزب «التجمع»، ودُعى إليها عدد كبير من المسرحيين، ونشر نتاج تلك الجلسة على عددين بجريدة «الدستور»، لنضع بين يدى المسئولين عن الثقافة والفنون كل أفكار وأحلام المسرحيين وشباب المسرح، علهم يتخذون الإجراءات المناسبة حيالها دونما انتظار جلسات الحوار الوطنى التى يتطلع إليها كل الحالمين بواقع أفضل، لتكون مجالًا لطرح الأفكار والرؤى وتقريب وجهات النظر وبناء جسور من التفاهمات والتفاوضات حول كل القضايا المختلف عليها.
لذا كان من الضرورى أن أقدم هنا ملخصًا للتوصيات التى خرجنا بها من جلستى النقاش، لتكون بين يدى المسئولين عن الحوار الوطنى، لمناقشة عدد من الإشكاليات، وإعادة ترسيم المساحات الفارغة بلغة المسرح.
أولًا: الإشكاليات المتعلقة بالفضاءات المسرحية والبنية الأساسية
أوصى المشاركون بهذا المحور بضرورة البحث عن صيغ وحلول مبتكرة واقتصادية تستلهم التجارب المفارقة للفضاءات المسرحية التقليدية، مثل تجربة «مسرح الجرن» و«مسرح الشنطة» وما شابه، وأن تلتزم المدن الجديدة فى تخطيطها بتخصيص مساحة للمسرح والسينما.
كما أوصوا بتشجيع فنون الشارع، وتسهيل الحصول على التصاريح، وتوظيف الفضاءات الإلكترونية والمنصات كنوع من الفضاءات البديلة للعرض المسرحى، خاصة فى أوقات الأزمات.
واقترحوا عقد تعاون ثلاثى الأطراف، بإشراف وزارة الثقافة، بين المحافظات والمستثمرين والفنانين، حيث تقوم المحافظات بتخصيص أراضٍ لبناء مسارح، ويفتح المجال للمستثمرين فى مجال المسرح لبناء المسارح وتجهيزها وتوظيف عمالتها وإدارتها بنسبة ٥١٪، بحيث تكون الدولة كشريكة لها حق المشاركة فى الإدارة أيضًا، وهو أمر يمكن تطبيقه عن طريق الشركة الناشئة بوزارة الثقافة «الشركة القابضة للصناعات الإبداعية»، لافتين النظر إلى أهمية أن تتم تنمية المسرح المحترف فى كل محافظة وإنشاء فرقة مسرحية محترفة فى كل محافظة، بدلًا عن التجوال بفرق القاهرة المحترفة، التابعة للبيت الفنى للمسرح.
وأكد الحضور أن وضع الخطط يجب أن يستند إلى بنية معلوماتية، لذا من الضرورة العمل على إنشاء قاعدة بيانات أو خريطة لمواردنا المسرحية، لندرك ما لدينا وما ينقصنا، ونعيد ترتيب أولوياتنا وفقًا لها.
ثانيًا: إشكاليات آليات الإنتاج المسرحى
ناقش المسرحيون أيضًا مسألة الإنتاج المسرحى ومخصصاته فى مصر، حيث تضمن الحوار آليات لدعم المشاريع غير الحكومية، وعدالة توزيع الدعم الحكومى للمسرح وتطبيق آليات الحوكمة، كما ناقشوا عدم وجود رؤية شاملة واستراتيجيات معلنة متعلقة بالمسرح المصرى وهويته، ومسرح الطفل على وجه الخصوص، فى ظل تحديات التأثر بثقافة والت ديزنى، كما ناقشوا ضرورة تحديث القوانين، حتى ينعكس ذلك على استراتيجيات تسويق المنتج الثقافى عمومًا، والمسرحى على وجه الخصوص، وانتهوا إلى التوصيات التالية:
أولًا: رفع المخصصات المالية للمسرح فى جهات الإنتاج الحكومية المختلفة التابعة لوزارة الثقافة، مثل قطاع الإنتاج والهيئة العامة لقصور الثقافة، حتى تتمكن كل جهة من القيام بالدور المنوط بها.
ثانيًا: الاهتمام بالمشاريع الموجهة للشباب ورفع قدراتهم، ومنها مشروع «ابدأ حلمك»، بوصفه أحد أهم مشاريع الهيئة التى تهدف إلى استثمار طاقات الشباب الموهوب.
ثالثًا: تفعيل آليات الحوكمة لضمان الجودة الإدارية والفنية، واستحداث مسارات لدعم المشاريع المسرحية للفنانين العاملين خارج الإطار الحكومى فى كل محافظات مصر، وفقًا لآلية وضوابط تتسم بالشفافية.
رابعًا: تشجيع الفرق المسرحية الصغيرة، فرق الشباب بوصفها مشاريع صغيرة أو متناهية الصغر، وأن يتم دعمها بالمبالغ المحددة لدعم مشاريع الشباب، مما سينتج عنه توفير فرص عمل وتنمية ووعى وثقافة وشعور بالجمال ومردود اقتصادى بالضرورة.
خامسًا: تفعيل قرار وزير الثقافة رقم ١٠٨ لسنة ٢٠١٥ بإنشاء وحدة دعم المسرح المستقل كوحدة تختص بوضع الخطط والسياسات العامة المتعلقة برعاية الدولة للنشاط المسرحى غير الحكومى «فرقًا وأفرادًا»، ووضع ضوابط ومعايير وآليات صرف الدعم السنوى «مالى ولوجستى وبناء قدرات»، والمزمع تخصيصه لأنشطة الفرق المسرحية المستقلة ومتابعته، حتى إنه بميزانية عرض واحد من عروض مسرح الدولة، التى تتجاوز أحيانًا المليون جنيه، يمكن دعم ٢٠ عرضًا مسرحيًا فى كل محافظات مصر، فلماذا لا نستثمر مواردنا الاستثمار الأمثل؟
سادسًا: العمل على التنمية الثقافية لا النشاط الثقافى، فالتنمية هى بناء القدرات الإبداعية والحرفية وتأسيس الوعى وتنمية القدرة الذاتية بطريقة تراكمية طويلة المدى، مع ضمان الاستدامة.
ثالثًا: إشكاليات التشريعات القانونية المتعلقة بالإبداع
ناقش المسرحيون التشريعات القانونية المتعلقة بالثقافة والقانون وإشكاليات تطبيقها، والتى تتضمن قانون حقوق المؤلف والرقابة على المصنفات، فى سبيل ضوابط أكثر مرونة وإجراءات أقل تعقيدًا للفنانين، وكذلك القضايا المتعلقة بالضرائب، كضريبة الملاهى وتطبيقها على المسارح التى تقدم المسرح بمفهوم خدمى أكثر منه ترفيهى، وكذلك إشكاليات الفاتورة الإلكترونية وتطبيقها على المنتج الفنى، والجمعيات الثقافية وتبعيتها لوزارة التضامن الاجتماعى، وأوصوا بالتالى:
أولًا: ضرورة عمل دراسة قانونية شاملة لتعديل القوانين التى لا تتناسب مع طبيعة المنتج المسرحى، وأن يدعمها نواب فى مجلس الشعب وأصحاب الشأن من المسرحيين.
ثانيًا: تسهيل إجراءات الرقابة على المصنفات الفنية، خاصة للفرق الناشئة، وتمديد أجلها بحيث يكون المدى الزمنى لتصريح النص الأجنبى ١٠ سنوات، والمصرى ٥ سنوات، حتى لا يعزف الشباب عن صناعة الفن ويصبح فريسة لأفكار واختيارات متطرفة، مما يؤثر سلبًا على المجتمع، وأيضًا على صناعة المسرح التى تتجدد دومًا بالدماء الجديدة وطزاجة الشباب.
رابعًا: المسرح والقوى الناعمة
ناقش المسرحيون أيضًا التمثيل الدولى للمسرح المصرى خارج مصر، شروطه وضوابطه وعدالته، ودور المسرح المصرى المنوط به خارج مصر، خاصة فى دول حوض النيل والدول ذات البُعد الاستراتيجى، وأوصوا بالتالى:
أولًا: ضرورة أن يعود النشاط المسرحى فى المدارس ويسهم فى تقييم المدرسة، وأن تدرس مادة الدراما فى المدارس المصرية مثلما تدرس فى المدارس الدولية.
ثانيًا: الاهتمام بالفنانين، بوصفهم المكون الرئيسى للقوة الناعمة.
ثالثًا: الاهتمام بتمثيل الفن المسرحى المصرى بالمهرجانات المسرحية الدولية خارج مصر.
هذا، ومن هنا، أضع تلك المطالب المعلقة من أزمنة بين يدى المسئولين، بوصفها نوافذ للأمل، وربما يكون لهم وللحوار الوطنى دور فى جعلها مشرعة على نحو يسمح بأن تكتسح الأنوار خشبات المسارح فى كل مكان، لتنير الوعى وتزيح ظلمات الجهل والتطرف.