الحوار.. والبرلمان
ما زالت جلسات الحوار الوطنى تثرى العملية الديمقراطية، وتسمح للأطياف المختلفة من المجتمع بأن تدلى بدلوها فى تلك الجلسات وهذا الحوار، والذى من الممكن أن نستشف من ردود أفعال وتعقيبات المنصة ما إذا كان ذلك المقترح أو تلك الرؤية التى طرحها ممثل هذا الحزب أو التيار أو المستقل قد وجدت استحساناً أم لا.
وخلال الأسبوع الماضى قامت لجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابى المنبثقة عن المحور السياسى بمناقشة قضية تحديد عدد أعضاء مجلس النواب والشيوخ، بالإضافة إلى مسألة تفرغ النائب لعمله وأداء مهامه النيابية.
كان هناك شبه إجماع بضرورة زيادة عدد النواب بما يتناسب مع الزيادة السكانية الحالية، بالإضافة إلى زيادة نسبة التمثيل لكل الفئات، حيث إن هناك العديد من المراكز فى المحافظات المختلفة غير ممثلة فى البرلمان.. كما تجدر الإشارة إلى أن دستور 2014 قد نص فى مادته رقم 103 على ضرورة تفرغ عضو مجلس النواب لمهام العضوية مع احتفاظ العضو بوظيفته أو عمله وفقاً للقانون وبهذا الالتزام الدستورى يتعين على جميع أعضاء مجلس النواب التفرغ التام لمهام العضوية، وهو التزام يلزم جميع الأعضاء دون استثناء كما صدر بذلك قانون مجلس النواب؛ ليؤكد هذا الالتزام بالمادة رقم 31 التى أوجبت على النائب التفرغ.
لقد أوجب التوسع العمرانى وزيادة المساحات السكانية، بالإضافة الى انتقال مجلس النواب للانعقاد فى العاصمة الإدارية، وهو كما رأينا من ضمن الإنجازات الرائعة، والتى تستوعب ضعف العدد الموجود حالياً من النواب، سواء من هنا أو هناك يجعل بالفعل إعادة النظر فى زيادة أعدادهم محل اعتبار، خاصة وأن هناك العديد من المدن الجديدة قد تم إنشاؤها مؤخرًا فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى وأصبحت مأهولة بالسكان والمعاهد التعليمية المختلفة وكذلك بالمناطق الصناعية، مثل مدن المنصورة والمنيا والعلمين الجديدة وغيرها من المدن الأخرى التى من المنطقى أن يكون لها تمثيل فى البرلمان.
وقد أعطت المنصة الفرصة لجميع ممثلى الأحزاب الموجودين لعرض رؤيتهم المتعلقة بالممارسات النيابية المستقبلية، وكان من الطبيعى أن تنادى الأحزاب الصغيرة بضرورة مشاركتها فى المجالس النيابية المقبلة، سواء كانت من خلال القائمة المغلقة أو النسبية، إلا أنه من الواضح أنه قد غاب عنهم مدى تأثيرهم على الشارع المصرى ووجودهم به.. ومدى قوتهم على أرض الواقع .. بل غاب عنهم أيضًا أن تكون برامجهم الحزبية، والتى تم إنشاء أحزابهم على أساسها لها أيديولوجية واضحة ومؤثرة، سواء كانت مؤيدة أو معارضة.
من الطبيعى أن ينادى ممثلو 85 حزبًا بضرورة تمثيلهم فى البرلمان المقبل من منطلق قناعتهم بأن زيادة أعداد النواب فى هذا البرلمان سوف يترتب عليها وجودهم به.. فى حين أن الواقع يشير إلى أن تلك الأحزاب وإن كانت موجودة بالفعل بناء على ما جاء فى الدستور المصرى بحرية قيام الأحزاب، إلا أن ممارسات تلك الأحزاب قاصرة على صفحات التواصل الاجتماعى أو من خلال قرار التأسيس وقائمة الأعضاء، حتى إن عدد الأحزاب المسجلة فى لجنة شئون الأحزاب قد بلغ 109 أحزاب، منها 15 حزبًا فقط ممثلة فى برلمان 2021، ومنها خمسة فقط يحق لها تكوين هيئة برلمانية؛ لأنها حصلت على عشرة مقاعد فأكثر وباقى الأحزاب لا تمثل أى تأثير حقيقي، لكونها حصلت على عدد قليل من المقاعد لا يشكل فارقاً فى العملية السياسية.
أعتقد أن جلسات الحوار الوطنى قد حققت نجاحًا كبيرًا فى إبراز دور الأحزاب الحقيقى فى الشارع المصرى وأن هناك ضرورة إذا كانت بعض الأحزاب تريد بالفعل المشاركة فى الحياة السياسية والعملية التشريعية عليها أن تدرس إمكانية اندماجها فى كيان واحد أو أكثر، يمكن من خلاله أن يكون له تأثير فعلى وحقيقى وملموس، وهذا لن يتأتى إلا بإرادة حقيقية وإيثار محمود وإنكار للذات تحقيقاً لمصلحة الوطن.. وفى هذا الإطار فإن هناك تجربة موجودة بالفعل وإن كانت غير كاملة تتمثل فى كيان يحمل اسم تحالف الأحزاب المصرية يضم 42 حزبًا وأمينًا عامًا واحدًا، وهو النائب تيسير مطر، رئيس حزب إرادة جيل ووكيل لجنة الصناعة بمجلس الشيوخ، من الممكن أن يكون لهم تأثير واضح خلال المرحلة المقبلة، إذا كان الاندماج بينهم بشكل تام، وهو ما قد تترتب عليه نتائج فاعلة فى مشاركتهم تحت هذا الكيان، ولكن ذلك كما ذكرنا لابد أن يكون بناء على إرادة وطنية مشتركة بينهم.
من ناحية أخرى فإنه من الواجب- من وجهه نظرى- أن تكون برامج الأحزاب الممثلة فى البرلمان بينها تمايز واضح من حيث التنوع والتوجهات السياسية، بحيث لا تكون نسخاً مكررة لنفس الأفكار والشعارات وأن تمتد أذرع تلك الأحزاب لتشمل جميع محافظات الجمهورية ولا تقتصر على محافظة أو اثنتين، وأن تقوم بدورها فى تدريب المواطنين على العمل السياسى وتكوين وتأهيل الكوادر وإعداد القيادات التى سوف تعبر بنا إلى المستقبل.
فى قناعاتى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى حريص على الممارسات الحزبية الوطنية النابعة من إرادة وطنية مخلصة بعيدة عن التشخيص والشخصنة، بل إن سيادته قد أعلن فى لقائه الأخير فى المؤتمر الوطنى للشباب الذى عقد بمدينة برج العرب بالإسكندرية عن موافقته على ما سوف تسفر عنه معطيات الحوار الوطنى فى إطار اختصاصاته كرئيس للجمهورية، وهو هنا يعطى المثل والقدوة لنا فى تعظيم العمل الجماعى والرؤية الموحدة التى اتفق عليها كل من شارك فى الحوار الوطنى طالما كانت تحقق الأهداف والمصلحة العليا للوطن.. هذه هى القيادة الرشيدة، وهذه هى الرؤية التى سوف تسير بنا إلى مستقبل مشرق بإذن الله فى ظل جمهوريتنا الجديدة.. وتحيا مصر.