حدث فى برج العرب
إذا كانت ثمة صفة أساسية يمكن وصف الرئيس السيسى بها، فهى البساطة.. إنه يقول ما يريد ببساطة شديدة دون تعقيد وبصدق.. ويراهن على أن ما يقوله سيصل للناس.. وغالبًا ما يكون رهانه صحيحًا.. يتحدث الرئيس للناس دون وساطات، ويترك للفعل دورًا فى توصيل رسالته إلى جانب الكلام.. هكذا تزاحمت الأفعال والأقوال أمس الأول فى يوم طويل.. من الصباح الباكر حتى المساء.. كنا نجلس فى الجامعة التكنولوجية ببرج العرب فى انتظار بدء فعاليات مؤتمر الشباب والرئيس يفتتح مشروعات «حياة كريمة» فى «الأبعادية- بحيرة»، كنت أتابع الأخبار عبر هاتفى وتوقفت كثيرًا عند افتتاح دار للمسنين فى القرية.. إن هذا فى ظنى أول دار للمسنين فى قرية من قرى مصر.. إن الخمسة آلاف قرية كلها تقريبًا كانت على حالها منذ آلاف السنين.. جرت محاولات تنمية للريف فى الستينيات لكن النكسة داهمتها فماتت بالسكتة القلبية.. بعدها تركت القرى للنمو العشوائى والسلبى والقبيح.. نما لها «كرش» و«لغد» و«دهون فى الأجناب» ولم تنم لها «عضلات»، العائدون من الخليج بنوا بيوتًا قبيحة فى «الغيطان» والفلاحون أكلوا الفراخ البيضاء والعيش الأبيض وتوقفوا عن العمل.. وجاءت حياة كريمة كمحاولة جادة وطموحة لإعطاء الريف المصرى حقه فى التنمية والخدمات العادلة وتحويل بيوته لوحدات منتجة.. وعندما داهمتنا الأزمة العالمية لم تتراجع الدولة عن إكمال المشروع رغم زيادة التكلفة بفعل التضخم وارتفاع الأسعار.. يقول الرئيس إن تكلفة المرحلة الأولى ارتفعت من مئتى مليار جنيه إلى ما يقارب ثلثمائة وستين مليارًا، ومع ذلك لم تتراجع الدولة وستواصل السير فى طريقها، ولا شك أن هذا يستحق تأييد كل مصرى مخلص يريد لأهله أن ينالوا نصيبهم العادل من التنمية.. يصل الرئيس برج العرب لننتقل من مشروعات حياة كريمة لـ«الحوار الوطنى»، إننا نرى الحوار وقد انتقل من فكرة إلى حقيقة على الأرض ومن اسم إلى فعل ومن نية إلى توصيات ومطالبات فى نواحٍ مختلفة.. ونرى جيلًا جديدًا من السياسيين انتقل من خانة الرفض إلى خانة المشاركة ومن التورط فى الهدم إلى المشاركة فى الإصلاح.. وهذه هى الفكرة الأساسية من الحوار..الحوار فكرة.. والفكرة لا تموت ولا تنتهى، ولكن تعيد إنتاج نفسها فى أشكال مختلفة تجمع المخلصين والراغبين فى رؤية مصر فى المكان الذى تستحقه بين الأمم.. يقول الرئيس ببساطة «أسيب الناس مرمية فى الشوارع والأكل موجود.. وناكل.. ولا أشيل الناس وأسكنهم فى بشاير الخير.. والدنيا تبقى غالية شوية؟».. إن ما يقوله الرئيس ببساطة.. هو فارق بين عهدين.. بين مصرين.. بين طريقتين فى الحكم.. إن مصر قبل ٢٠١١ فيها كثيرون ينامون فى الشارع.. كانت هناك خمسمئة منطقة عشوائية بمواصفات غير آدمية.. جمعها الإخوان الإرهابيون فى كتاب كبير وضخم كوسيلة لمعايرة النظام وإقناع الناس بأنهم البديل الأفضل له ما دام يترك المصريين يهانون بهذه الطريقة.. إن سكان هذه المناطق جاءوا المدن هربًا من القرى التى كانت تفتقر لـ«حياة كريمة».. إن الأكل كان موجودًا لأن الظروف العربية كانت مختلفة.. تم تخفيض ديون مصر فى عام ١٩٩١ نتيجة غزو العراق للكويت.. كانت فرصة عظيمة للانطلاق تم إهدارها.. فكر المسئول أن عليه تدبير ثمن القمح والبنزين وترك الأمور على ما هى عليه.. لم يمانع جيل الحكماء العرب فى توفير ثمن القمح والبترول لهذا العملاق النائم.. الذى لا يشكل منافسًا لأحد ولا يتقدم لاحتلال المكانة اللائقة له بين الأمم.. أساء البعض لمصر وفهم أن دورها تقديم بعض الخدمات مقابل الفتات.. كان لنا جار وفى فى ليبيا يساعدنا ونساعده.. وفى الخليج العربى كان هناك حكام عظماء لهم امتدادهم.. لكن كل هذا لم يوفر لنا سوى الأكل الرخيص.. مسكنات تؤخر وقوع الانفجار.. العشوائيات تزيد والريف يتدهور والتعليم فى أدنى حالاته وفيروس سى يلتهم أكباد الملايين والعملاق المصرى غارق فى سبات طويل حتى ظن البعض أنه مات.. إن كل هذه المعانى تداعت إلى ذهنى وأنا أسمع سؤال الرئيس «أسيب الناس مرمية فى الشوارع والأكل رخيص».. الإجابة لا.. ما قمنا به هو الصحيح.. وستثبت الأيام ذلك.. فكما يقول المثل.. إن غدًا لناظره قريب.