مقابر العظماء
يقول المثل العربى.. رب ضارة نافعة.. وأنا أقول.. رب نافعة نافعة.. الجدل الذى ثار حول مقابر السيدة نفيسة والإمام الشافعى أسفر عن قرار رئاسى ببناء مقبرة الخالدين.. قرار الرئيس جاء ليحسم جدلًا طال حول أعمال توسعة طريق صلاح سالم.. ضمن خطة لإعادة إحياء القاهرة الإسلامية كلها وإزالة التعديات عليها وإعادة إطلاقها من جديد.. ميزة هذا القرار أنه صادر من أعلى سلطة سياسية، وأنه أفسد دعايات سوداء كان الإرهابيون ولجانهم يبثونها ضد هذا المشروع.. إذا كان هناك ثمة عيب فهو أن محافظة القاهرة لم تبادر لشرح ما يجرى للناس منذ اللحظة الأولى، وأن وزارة الآثار لم توضح جهود رجالها فى حصر الشواهد الأثرية وذات القيمة وتسجيلها والاحتفاظ بها بعيدًا عن أعمال توسعة الطريق.. كالعادة حسم تدخل الرئيس الموضوع برمته ووضع النقاط على الحروف وتدارك ما فات المسئولين التنفيذيين من طمأنة الناس وشرح الحقيقة لهم وإبطال الدعايات السوداء ضد المشروع وضد جهود التنمية بشكل عام.. الرئيس وجه بتشكيل لجنة لدراسة موضوع نقل المقابر كله على بعضه وتلافى أى آثار جانبية وتحديد مكان مناسب لبناء مقبرة العظماء فى مصر.. بناء مقبرة العظماء مكسب فى حد ذاته.. تعزيز لقوة مصر الناعمة.. تذكير للعالم وللمصريين أيضًا بأن لدينا عظماء فى كل المجالات.. تخيل أنك تصطحب طفلك أو صديقك العربى لتدخل مقبرة تضم رفات طه حسين ونجيب محفوظ وأم كلثوم وسيد درويش وأحمد زويل وتوفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس ومصطفى كامل ومحمد فريد... إلخ.. هل هناك بلد آخر لديه مثل هؤلاء العظماء؟ لا ولا نصفهم ولا ربعهم.. إذن قرار الرئيس حوّل الضارة إلى نافعة.. لو افترضنا مثلًا أن رب أسرة اصطحب أبناءه ليزور بعض مقابر المشاهير فى السيدة نفيسة والإمام الشافعى.. هل كان يمكن أن يصل لها بسهولة؟ فى الحقيقة لا.. فهذه المقابر لم يكن يعرفها أحد سوى أهل المتوفى فقط، وربما تتوه الأجيال الجديدة منهم ولا تستطيع أن تصل للمقبرة.. هل كان يستطيع أن يصل لهذه المقابر بأمان؟.. فى الحقيقة لا.. لأن هذه المقابر تحولت عبر عقود لمأوى للخارجين على القانون وغرز المخدرات وكل الأنشطة التى يبحث أصحابها عن مناطق بعيدة عن العمران وسطوة القانون.. وفوق كل هذا كانت هناك مبانٍ وبيوت وورش بنيت فى حرم هذه المقابر، وكانت هناك مياه جوفية أغرقت بعض هذه المقابر، وبشكل عام طالها كل أنواع الإهمال الذى يمكن تخيله.. وبالتالى فإن إنشاء مقابر العظماء على غرار مقبرة الخالدين «البانثيون» فى باريس هو تكريم وتخليد لرموز مصر من ناحية.. وهو إحياء لتاريخ رموز الأدب والفن والإبداع فى ذاكرة الأجيال الجديدة من ناحية.. وهو إخراس لأصوات الدعاية السوداء ضد الدولة من ناحية.. وهو طمأنة للمصريين المخلصين الذين لم تصلهم الصورة واضحة فى البداية من ناحية رابعة.. مطلوب من الجهة التنفيذية تصور إبداعى لمقبرة عظماء المصريين يجمع بين كونها مقابر للعظماء ومتاحف مصغرة لهم تبث أفلامًا قصيرة عن حياتهم وتعرض طبعات حديثة من الكتب التى صدرت عنهم.. مطلوب أن تتحول مقبرة العظماء لهدف ثابت لرحلات كل المدارس والجامعات فى مصر ليعرف المصرى من هم رموز نهضته الأدبية والفنية والسياسية فى العصر الحديث، على الأقل من رفاعة الطهطاوى حتى نجيب محفوظ، ومن مصطفى مشرفة حتى أحمد زويل، ومن الشيخ سلامة حجازى حتى أم كلثوم وعبدالوهاب.. تحية لصاحب القرار، ومطلوب تنفيذ يليق بحجم القرار.