حين انفتح «باب عشق» فى مسرح الطليعة
«باب عشق»، النص الفائز بجائزة ساويرس للنص المسرحى هذا العام، والذى يعرض حاليًا على مسرح الطليعة، من إخراج حسن الوزير، ضمن الخطة التى أعلن عنها البيت الفنى للمسرح لهذا الموسم، استلهم فكرته وحبكته من قصة القصيدة اليتيمة، القصيدة التى قتلت صاحبها فى العصر العباسى، فما هى القصيدة اليتيمة تلك؟
لا يعرف كاتب القصيدة اليتيمة على وجه الدقة، وتتلخص حكايتها، التى هى أقرب للأساطير، فى أن شاعرًا من تهامة، وهو فى بعض الظن دوقلة المنبجى، كتبها فى عشق الأميرة النجدية دعد والتى كانت شاعرة بليغة، دعت شعراء عصرها للتبارى معها، معلنة عن أنها ستتزوج من الشاعر الأشعر منها، والذى سيشحذ طاقته الشعرية فى كتابة قصيدة عظيمة تصف جمالها.. تبارى الشعراء، ومن ضمنهم دوقلة، فى كتابة القصيدة، وفى رحلته إلى نجد قابل شاعرًا آخر وأخبره بقصته وقرأ عليه قصيدته فلما وجد أن قصيدة دوقلة أعلى مرتبة من قصيدته قتله لينتحل قصيدته، وحين ألقى القصيدة على الأميرة وجاء بيت يقول فيه: «أن تَتْهمى فتهامة وطنى أو تنجدى إن الهوى نجد» الذى فهمت منه بفراستها أن كاتب تلك القصيدة من تهامة، بخلاف لهجة الذى يلقيها فصاحت: «اقتلوه إنه قاتل زوجى».
فتحت دعد بابًا للعشق حين جعلت الشعر والعشق بابًا مسوغًا للزواج منها، لكن الكراهية جعلت هذا الباب لا يفتح إلا الوجع، مخلفًا أثرًا شاهدًا على هذا الوجع الممتد هو القصيدة اليتيمة أو الدعدية، هذا هو الخط الذى التقطه الكاتب المسرحى أو شاعر المسرح، كما أفضل أن أسميه، إبراهيم الحسينى، الخط الذى حمل العديد من الدلالات، حتى فى عوالم الشعر التى من المفترض بها أن تكون مثالية، تلك العوالم التى تتأسس على الجمال، على المعنى والحب، والإلهام الذى يكاد يكون منحة ربانية، هل فى تلك العوالم قتلة، هل الشر والقبح جزء أصيل من مكونات هذا العالم، ومن تكوين الإنسان، هل الشعراء أيضًا يتطلعون للسلطة ويرتقون سلالم الشعر ليصلوا لها، وهل الشعراء الحقيقيون يصلحون لأن يصيروا حكامًا أو أنهم فشلوا حتى فى أن يصلوا لأدنى مرتبة إنسانية فى هذا العالم، مرتبة أن تظل على قيد الحياة، حيث تؤهلهم سذاجتهم ومثاليتهم لأن يكونوا دومًا وجبة طازجة للقبح؟
كل تلك الأسئلة البكائية يطرحها نص إبراهيم الحسينى «باب عشق» فكيف عالجه المخرج حسن الوزير؟.
حسن الوزير مخرج انشغل دومًا بقضايا الإنسان الكبرى فى مسرحه وأبعادها الاجتماعية والسياسية، لذا ركز كثيرًا على الصراع السياسى المصاحب لتلك القصة، وقد استعان بالغناء من أشعار درويش الأسيوطى وألحان محمد حسنى لتكون بمثابة صوت يعلق على الأحداث ويحمل رسالة العرض أو لتلطيف أجواء العرض القاتمة فى بعض الأحيان، وكذلك تم توظيف الاستعراضات المضمنة بالعرض.
العرض مكثف فى بنائه، وإن كان فى ظنى أنه تم اختزال النص أكثر من اللازم، لكنه وجه كل مفرداته لرسالة العرض التى مفادها: دعونا نفتح بابًا للعشق- بابًا للجمال، لأن الأميرة دعد لن تتزوج سوى من الشاعر- العاشق.
على مستوى السينوغرافيا جاء الديكور لفادى فوكيه تعبيريًا، قابلًا لإعادة التشكيل مع كل مشهد، والأزياء لمها عبدالرحمن بسيطة وجمالية ومستلهمة من روح هذا العصر.
تمثيليًا بدا فهم الممثلين أدوارهم، وإن شابه بعض التناول العاطفى فى بعض الأحيان، فتحية لممثلى العرض، ماهر محمود فى دور دوقلة، وهالة ياسر فى دور الأميرة، وإسلام بشبيشى فى دور هارون، وفكرى سليم فى دور الملك، ومحمد أمين، فى دور غيلان، وخالد العيسوى، فى دور السياف، والصوت الخاص جدًا شيماء يسرى فى دور المغنية.
وفى النهاية أحيى تجربة مسرح الطليعة ومديرها المخرج عادل حسان فى تقديم عرضين فى برنامج واحد، وأدعو الجمهور لرحلة ممتعة فى مسرح الطليعة يزورون فى بدايتها بيت روز بقاعة صلاح عبدالصبور ويخرجون منه ليمروا من «باب عشق» فى قاعة زكى طليمات.