حرب القوارب
منذ سبع سنوات كان لى رأى مختلف فى مسألة «الهجرة غير الشرعية»، وما زلت محتفظًا بهذا الرأى.. مبدئيًا أُفضل أن أسميها الهجرة غير النظامية وليس غير الشرعية وهذا اجتهاد خاص بى.. كان رأيى أن المصرى الذى يهاجر لأوروبا وينجح هو مصدر للعملة الصعبة وزيادة الناتج القومى.. المهاجرون لأوروبا يكافحون فى مجتمعاتهم الجديدة ويبنون قصص نجاح.. يحصل أبناؤهم على تعليم متميز.. يحولون أجورهم لمصر ويبنون بيوتًا ومزارع فى قراهم الأصلية.. وغالبًا ما يساعدون فى إتاحة فرص عمل لآخرين فى البلاد التى هاجروا إليها.. تاريخيًا فإن الإنسان هو أغلى ثروات مصر.. منذ السبعينيات اضطرتنا الظروف للهجرة فى بلاد الله وكانت تحويلات العاملين فى الخارج أكبر مصادر الدخل القومى لمصر ولا تزال.. أثار هذا شجون شعرائنا وكتاب الأغانى لدينا.. كان للسفر بعض الآثار الضارة.. لكن كانت له مميزات أيضًا ويجب ألا ننكر هذا.. سألت صديقًا دبلوماسيًا مرة عن سر صمود الشعب اللبنانى رغم الأزمة الاقتصادية فقال لى المهاجرون اللبنانيون لم يتخلوا عن أسرهم فى لبنان.. كل بيت له مصدر دخل من أوروبا وأمريكا أو إفريقيا عبر أبنائه المهاجرين.. لذلك تسير الأمور.. لو أحسنت مصر استثمار تحويلات العاملين منذ السبعينيات وحتى الآن لكنا فى مكانة أخرى بين الدول، ولكننا أضعناها فى شركات التوظيف وشاليهات الساحل والسيارات الفارهة... عندما عادت الدولة فى ٢٠١٤ تولت ضبط ظاهرة قوارب الهجرة غير الشرعية بيد من حديد.. لا اعتراض لدىّ على هذا بكل تأكيد، ولكن المثل يقول: كل وقت وله أذان.. وهذا وقت تهاجمنا فيه موجات اللاجئين من الجنوب ومن بلاد أخرى كثيرة.. حسب تصريح الرئيس السيسى فى أنجولا، فقد دخل مصر ٢٠٠ ألف لاجئ سودانى خلال أسابيع قليلة وهناك آلاف آخرون يتدفقون كل يوم.. هؤلاء يضافون لتسعة ملايين ضيف عربى يعيشون فى مصر بصفة لاجئين أو مهاجرين أو عاملين... إلخ، وهم يشكلون عبئًا على الاقتصاد بطريقة ما.. مصر من أرخص الدول العربية ومن لا يصدق يدخل على صفحات الإخوة السوريين المقيمين فى مصر.. يرسل السورى ليسأل.. هل تنصحونى بالتوجه إلى دولة عربية ما.. فيقول له إخوانه.. لن تجد أرخص ولا أفضل من مصر.. أهلًا وسهلًا ومرحبًا.. لكن المثل المصرى يقول: العين بصيرة والإيد قصيرة.. ويقول المثل الآخر: ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع.. لم أسمع أن المجتمع الدولى قرر تمويل مصر لمواجهة أعباء اللاجئين الجدد ولا القدامى.. لم نسمع أن المؤسسات الدولية قررت تخفيف أعباء القروض على مصر.. رغم أن هذا أمر سهل للغاية ولا يحتاج سوى جرة قلم.. إذا كان هؤلاء اللاجئون يريدون التوجه لأوروبا.. فلماذا نمنعهم؟.. هكذا يقول لى عقلى.. إن اللجوء حق من حقوق الإنسان تكفله مواثيق الأمم المتحدة وتعترف به حكومات أوروبا.. إذا كان هؤلاء اللاجئون يريدون الرحيل لأوروبا عبر سواحل ليبيا وتونس وغيرها.. فهم أحرار.. الرئيس التونسى قال للأوروبيين: لسنا حرس سواحل لكم.. إن لديه أزمة اقتصادية كبيرة.. ويبدو أنه يرى أن أوروبا لا تقوم بما عليها لتحمل تكلفة ضبط القوارب التى تحمل المهاجرين غير النظاميين.. ما هو الفارق بين الهجرة «الشرعية» والهجرة غير «الشرعية»؟ أنا أقول لك.. الهجرة «الشرعية» هى التى تأخذ فيها أوروبا أبناءنا من الأطباء الذين علمناهم من لحم الحى لتستفيد بهم.. أما الهجرة غير الشرعية فهى التى ترفض فيها أوروبا منح فرصة للفلاحين والصنايعية الفقراء ليتأهلوا لسوق العمل خلال شهور قليلة ويسووا أوضاعهم رغم أنها تستفيد منهم أيضًا.. أنا أحترم توجهات الدولة المصرية وقوانينها ولا أدعو للخروج عليها أبدًا.. ولكنى أقول بصراحة: إما أن يدفع لنا الغرب تكلفة رعاية اللاجئين الذين يتدفقون علينا ليل نهار أو نتركهم يسافرون إليه و«يصطفلوا» مع بعض، كما يقول الإخوة اللبنانيين.. تاهت ولقيناها!.