«إنترلوك» فى الحيتية!
لمن لا يعرف فإن «الحيتية» هى الحى الشعبى الملاصق لكل من المهندسين والدقى والعجوزة.. فى الغالب هى الجزء الريفى الذى لم يتم تخطيطه أثناء بناء هذه الأحياء الراقية الثلاثة.. وصف الحى بأنه شعبى أمر من قبيل التأدب، والحق أنه أقرب إلى العشوائى.. حيث الشوارع ضيقة ومتربة وعرض الشارع ليس كبيرًا، وبالتالى فالإضاءة الطبيعية ليست كما يجب أن تكون.. أتردد على شوارع «الحيتية» لسبب أو لآخر.. مثل البحث عن حرفى سيارات جيد.. أو تناول العشاء عند مطعم يحتفظ صاحبه بأسرار الصنعة القديمة.. منذ فترة لاحظت أن شوارع هذا الحى الفقير أصبحت مغطاة بالإنترلوك.. والإنترلوك نوع من الحجارة يستخدم فى تبليط شوارع المجمعات السكنية الراقية.. وإذا سمح لك الحظ بالدخول على جروب واتس آب لملاك أحد هذه المجمعات فستجدهم يتناقشون حول مدى فخامة الإنترلوك خاصتهم ويتوعدون بالحديث مع الإدارة لرفع مدى فخامة الإنترلوك لأقصى درجة ممكنة حتى يستطيعوا أن يباهوا به الملاك فى الكومبوندات المنافسة.. الدولة فى عهد الرئيس السيسى رأت أن من حق من يسكنون الشوارع الضيقة والمتربة فى «الحيتية» والسيدة زينب وغيرهما أن تبلط شوارعهم بهذا البلاط الفاخر بدلًا من تجمعات المياه والتراب والذباب الذى كان يظلل الشوارع.. أصبح هناك هذه الأرضيات النظيفة سهلة الكنس أنيقة المظهر.. ليس على حساب السكان ولكن على حساب الحكومة.. لو سألت خبيرًا اقتصاديًا من صندوق النقد الدولى أو من دعاة الليبرالية الجديدة لقال لك إن هذا إنفاق بلا عائد.. وإن ما أنفق على تطوير حياة الناس فى هذه المنطقة هو مال مفقود وغير مسترد.. وبالتالى يدخل فى جملة الخسائر.. إلى آخر هذا الرطان المعاد والمكرر.. ولكن الحقيقة أن ما قامت به الدولة عمل أكثر من رائع لأنه يتسم بحس إنسانى أولًا.. ولأنه يعطى سكان هذه المناطق جزءًا من حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية ثانيًا.. ولأنه يقلل من حدة التناقضات الطبقية الصارخة التى شكونا منها فى الماضى ثالثًا، حيث يتجاور الفقر الشديد مع الغنى الشديد فى كيلومتر واحد.. ولأنه يرفع من قيمة هذه المناطق الحضارية والعقارية رابعًا، مما يؤدى لإعادة تأهيل القاهرة الكبرى كلها كمدينة يتم تحديثها بعد عقود من الأعمال وعدم الاهتمام.. وبالتالى فإن الأموال التى أنفقت على الإنترلوك فى الحيتية هى استثمار فى الإنسان وفى المكان معًا سيؤتى أثره بعد سنوات قليلة بإذن الله.. والموضوع كله يندرج فى إطار الخصوصية المصرية أو خصوصية الواقع المصرى الذى لا يمكن قياسه بمقاييس الآخرين.. مهما بدت هذه المقاييس منطقية وعقلانية.. وهو نفس ما ينطبق على شراء الدولة للدواء لعلاج تسعة ملايين مصرى كانوا مصابين بفيروس سى، أو على مشروع حياة كريمة الذى تنفق الدولة عليه ٨٠٠ مليار جنيه أو غير ذلك من مشاريع.. هل هذه المشاريع ضرورية؟ هى ضرورية جدًا جدًا؟ هل لها عائد؟ لها عائد غير سريع وغير مباشر.. هل يفهم ذلك خبراء ليست لهم علاقة بالواقع المصرى؟ لا أظن لأن الأمر له أبعاد سياسية واجتماعية وحضارية مركبة.. ماذا نفعل إذن؟ نواصل العمل بنفس هذه الروح التى تهدف للارتقاء بمصر وبشعبها وبناسها.. وسيكرمنا الله بكل تأكيد.