مصر أفضل وجهة للاستثمار الأجنبى.. بشهادة الخبراء
منذ عشر سنوات، اختفت من قاموس الإجراءات المصرية حفلات (وضع حجر الأساس) لمشروعات لم تكن تبدأ أبدًا، أو سرعان ما تتوقف بعد فترة وجيزة من دورانها.. وحلت محل ذلك مراسم رفع الستار عن مشروعات بدأت في صمت، وجاء وقت افتتاحها، ليضيف كل منها رصيدًا جديدًا للأصول المصرية، ويضع رقم إضافيًا في معادلة النمو الاقتصادي.
ويفتح آفاقًا جديدة أمام فرص العمل الواعدة لشباب المصريين، ويبرهن أن عجلة الاستثمار التي دارت في مصر، لا يمكنها التوقف ثانية، بعدما راهنت القيادة السياسية على بناء دولة مصرية حديثة، ذات بنية تحتية فائقة التقدم، لا تقوم بدونها التنمية في أي دولة.. وقد تحدت مصر، خلال ذلك، ما فرضه وباء كورونا على العالم من إغلاق وتوقف لحركة الإنتاج والبناء، وما سببته الحرب الروسية ـ الأوكرانية من تضخم وركود، أوجعا دول العالم المتقدم، فما بالنا بالاقتصادات الناشئة.. ومصر سائرة في طريقها، يحدوها المستقبل الذي رأت أنه يليق بها وبشعبها.
من أجل ذلك، لم يكن غريبًا أن احتلت مصر المرتبة الأولى، كأكبر وجهة للمشروعات الضخمة من حيث حجم الاستثمارات الرأسمالية، نتيجة للإعلان عن مشروعات الهيدروجين الأخضر العملاقة، وفقًا لتقرير FDI Insights للعام الحالي.. إذ يشير التقرير إلى أن عدد مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر ارتفع بأكثر من 150%، ليصل إلى 148 مشروعًا العام الماضي، وهو ما يمثل استثمارًا رأسماليًا يقدر بنحو 107 مليارات دولار، وهذا يمثل حصة سوقية تبلغ 41% في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
وهو ما وضع مصر كأفضل مقصد للاستثمار الأجنبي المباشر كثيف رأس المال في المنطقة، والثاني عالميًا في العام الماضي، بعد أن تمكنت مصر من تحقيق تسعة عشر مشروعًا من هذه الاستثمارات في شركات تؤسس مشاريع هيدروجين أخضر، معظمها في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
شهد الاستثمار الرأسمالي في مصادر الطاقة المتجددة زيادة بنسبة 158% خلال العام الماضي، وتمكن القطاع من جذب 210 مليارات دولار أكثر من العام السابق، وفقًا للتقرير.. إذ اجتذبت مصر أكثر من 96.8 مليار دولار في مثل هذه المشاريع، وهو ما يقرب من ثلاثة أضعاف الرقم القياسي السابق البالغ 34.9 مليار دولار عام 2016.
وقد نمت أعداد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، من متوسط 3.5 مشروع ضخم سنويًا بين عامي 2013 و2021 إلى تسعة عشر استثمارًا ضخمًا، يرتبط تدفق رأس المال فيها ارتباطًا مباشرًا بسبعة عشر مشروعًا للهيدروجين الأخضر، وهو ما يمثل 97% من إجمالي استثمارات رأس المال الواردة في مصر العام الماضي.
تقرير البنك الدولي حول مستقبل الاقتصاد المصري، أكد أن معدل النمو في مصر شهد تعافيًا قويًّا قبل تصاعد وتيرة الحرب في أوكرانيا، وأن مصر ستشهد تحسنًا في أداء القطاع الخارجي خلال العام المالي 2023/ 2024، مدفوعًا بتحويلات المصريين العاملين في الخارج، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى قطاعات استخراج الغاز والبترول، بالإضافة إلى التمويل المحتمل من دول مجلس التعاون الخليجي.. وأشار إلى أن الإصلاحات الاقتصادية الكلية والهيكلية التي تنفذها مصر ستساعدها على تجاوز الوضع الحالي، منذ بدأت الإصلاحات التي اتخذتها الحكومة المصرية عام 2014.
كل ذلك بهدف الحد من الاختلالات الاقتصادية الكلية وتعزيز أداء قطاع الطاقة وتعبئة التمويل، ما مكَّن مصر من دخول الأزمات المتتالية بوضع أفضل لحسابات المالية العامة واحتياطيات نقد أجنبي كبيرة، كما تم إجراء إصلاحات مؤسسية لتحسين بيئة الأعمال، ولا سيما على صعيد تسهيل التجارة وتخارج الشركات من السوق أو إعادة هيكلتها.. وقد اتخذت الحكومة خطوات نحو زيادة مشاركة القطاع الخاص، وتعبئة رأس المال الخاص في قطاعات بعينها، بالتزامن مع توسيع نطاق مبادرات الحماية الاجتماعية، مثل برنامج تكافل وكرامة، الذي يوفر الدعم الموجه لحماية الفئات الأكثر ضعفًا من تأثير ارتفاع الأسعار.
ليس ذلك فحسب، بل إن التقرير تحدث عن الفرص التي يحظى بها الاقتصاد المصري وجاذبيته للاستثمارات، وقد وضع مصر كثاني اقتصاد عربي وإفريقي، في ظل سياسات الإصلاح الاقتصادي والهيكلي، والتي كان لها عظيم الأثر في تنمية تدفقات رءوس الأموال الأجنبية إلى الاقتصاد المصري، مع الفرص الاستثمارية الواعدة والضمانات والحوافز الاستثمارية.. يتزامن ذلك مع تغلب مصر على التحديات التي أفرزتها أزمة كورونا على الاقتصاد العالمي ككل، وقدرتها على تحمل تبعات الحرب في أوكرانيا، وهو الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على ثقة ورؤية المؤسسات الدولية للاقتصاد المصري وآفاقه المستقبلية.
وهنا، يجب أن نشير إلى أن ثمة عوامل أساسية تدعم تلك الجاذبية المصرية؛ أولها التطور الحادث في البنية التحتية، باعتباره فرس الرهان للاقتصاد المصري، من أجل تهيئة البنية لتناسب التنافسية العالمية، وثاني تلك العوامل، مرتبط بالفرص التي يوجدها تصدير الطاقة وكذلك مشروعات الربط الكهربائي المختلفة، بما يسهم في زيادة التدفقات الاستثمارية.
صحيح أن الاقتصاد المصري لا يزال في خضم أزمة مألوفة، حيث انخفضت العملة، ونقص المعروض من العملات الأجنبية، وارتفعت تكاليف المعيشة. وهي تجربة لا تتكرر إلا مرة كل عقد.. إلا أن حلحلة أزمة تكدس البضائع في الموانئ وتضييق الفجوة في سعر الدولار مقابل الجنيه، بين السوقين الرسمية والموازية، قد تكون من المؤشرات على حدوث تحسن.. ويرى صانعو السياسة، أن هذه المرة مختلفة، بعد مجموعة كبيرة من الإصلاحات الموعودة والتي ستُحدث تحولًا في أسواق مصر واقتصادها، وربما المجتمع ككل، وفقًا لما ذكرته وكالة (بلومبرج)، لكن هذا لم يجعل من السهل بكثير التنبؤ بموعد انتهاء المرحلة الحالية.
ويبقى أن نقول، إن هناك العديد من المميزات التي تعزز فرص الاستثمار في مصر في الوقت الحالي، يتصدرها، توافر الأيدي العاملة الرخيصة، إضافة إلى البنية التحتية الضخمة التي عملت عليها الدولة المصرية خلال السنوات الماضية، وأصبحت هذه البنية قادرة على استيعاب استثمارات بمئات المليارات من الدولارات.. كما أن الموقع الجغرافي المتميز الذي يربط بمصر بثلاث قارات، مع وجود موانئ في أكثر من منطقة داخل مصر، ما يسمح للمستثمر بالتصدير بأقل تكلفة ممكنة. يضاف إلى ذلك ما تعلنه الرئاسة من دعم وتشجيع وتسهيلات للمستثمرين، وصلت حد التعامل مع أكبر المؤسسات في مصر بشكل مباشر، وهذا لا يتوفر سوى في السوق المصرية، حيث يتعامل المستثمر مع الجهات المسئولة فقط.
وأخيرًا، فإن الأمن وحالة الاستقرار التي تشهدها مصر خلال الفترة الماضية، أصبحت ميزة كبيرة في ظل ما يشهده العالم من توترات تعوق عمل المستثمرين، وتدفع إلى هروبهم بحثًا عن المناطق الأكثر أمنًا واستقرارًا. كما تعد السوق المصرية من أكثر الأسواق الاستهلاكية في المنطقة وهذه ميزة أخرى يبحث عنها المستثمرون.
لقد وضعت الحكومة استراتيجية شاملة لتحسين مناخ الاستثمار، وخلق بيئة مواتية وحاضنة تشجع مجتمع الأعمال على التوسع في أنشطة الاستثمارات والإنتاج، ما أسهم في جاذبية مصر للاستثمارات الأجنبية بإجماع المؤسسات الدولية، والتوقعات المتفائلة بزيادة تلك الاستثمارات في السنوات المقبلة.. وإنا لمنتظرون.