الحوار.. والمحليات
كان الحوار عن المحليات وانتخابات المجالس الشعبية والمحلية الذى تمت مناقشته على مائدة الحوار الوطنى، يمثل مادة دسمة وموضوعًا حيويًا لجميع من شارك فيه سواء من الأحزاب أو الشخصيات العامة وبعض السادة المحافظين السابقين، حيث كان السؤال المطروح هو لماذا لم يصدر قانون جديد ينظم المحليات حتى الآن، خاصة بعد أن تم إلغاء القانون رقم 43 لسنة 1979 بحكم محكمة القضاء الإدارى فى 28 يونيو 2011.
الواقع أن الإدارة المحلية تعتبر إحدي خصائص النظام السياسى، وإحدى وسائله فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ نظرًا لدورها المهم فى توفير الخدمات الأساسية للوحدات المحلية، وتحقيق أكبر قدر من كثافة أداء الخدمات العامة المقدمة للأفراد، كما أنها تساعد فى سرعة وسهولة إتخاذ القرارات بعيدًا عن السلطة المركزية.. ومن هذا المنطلق جاءت أهمية الحديث عن ضرورة صدور قانون يتعلق بالمجالس الشعبية المحلية، وذلك لوجود حالة من الفراغ فى الشارع المصرى نتيجة تأخر صدور مثل هذا القانون قرابة 11 عامًا من تاريخ آخر مجلس ينتخب، وهو الأمر الذى ترتب عليه حالة من غياب الإشراف على تنفيذ الخطط الخاصة بالتنمية المحلية ومتابعتها.
إن انتخابات المجالس المحلية تمثل استحقاقًا دستوريًا نصت عليه المادة رقم 242 من الدستور الصادر فى 2014، حيث أشارت الى العمل بنظام المحليات الحالى لمدة خمس سنوات، على أن يتم خلال تلك الفترة إحلال نظام انتخابى جديد وفقاً لهذا للدستور.
اتفق جميع من شاركوا فى هذا الحوار عن أهمية المجالس المحلية من منظور إنها الأقرب لأفراد المجتمع، حيث إنها تصل إلى أعماق حياتهم الاجتماعية بهدف تنمية ذلك المجتمع؛ لتوفر فيه للفرد معيشة أفضل من خلال مشاركته فى إدارة أمور قريته أو مدينته أو محافظته لأنه الأجدر فى الوقوف على متطالباتهم واحتياجاتهم، كما أنها تحقق قدرًا كبيرًا من الشعور بالانتماء إلى المجتمع الذى يعيشون فيه، بالإضافة الى تحقيق الأهداف التنموية لهذا المجتمع.
كان محور المناقشات والاختلافات التى لا تفسد للوطن قضية تتمثل فى آلية تنفيذ تلك الانتخابات والسلطات التى يجب أن تكون ممنوحة لها، وهل معنى وجود إدارة محلية هو التحول إلى اللا مركزية؟ وهل الدولة المصرية وثقافة شعبها مهيأ لذلك؟ وهل النسب التى حددها الدستور لمشاركة المرأة والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة وكذلك تعريف العامل والفلاح الذى اشترط الدستور تمثيلهم فى المجالس النيابية والمحلية، بنسبة 50% تم تحديدها على وجه الدقة؟.
من المفترض أن المجالس المحلية سوف يشغلها قرابة 52 ألف عضو، وبالتالى فإن إجراء الإنتخابات فى هذا الإطار مسألة ليست بالسهولة التى تتحقق دون توافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أما فيما يتعلق بشكل وآلية تنفيذ تلك الانتخابات فإن الشكل الأمثل من وجهة نظرنا، والذى يتواءم مع كثرة عدد الأحزاب على الساحة السياسية، وكذلك لتحقيق تلك النسب التى حددها الدستور لكى يتم تمثيلها فى تلك المجالس أن تكون من خلال قائمة مغلقة، وهو ما أشار إليه ممثلو الأحزاب الكبرى، ومنها ما أكد عليه السيد النائب تيسير مطر أمين عام تحالف الأحزاب المصرية الذى يضم 42 حزباً.. بالنسبة للتحول إلى نظام اللا مركزية خلال الفترة الحالية، وفى إطار الظروف التى تمر بها البلاد فإنها لا يمكن أن تتحقق بتعديل الإطار القانونى الخاص بالإدارة المحلية فقط، وإنما الأمر يستلزم العديد من التعديلات والإصلاحات على مجمل التشريعات المرتبطة بالإدارة المحلية فى مصر مثل قوانين الموازنة العامة للدولة، وقانون إدارة المجتمعات العمرانية الجديدة، وقانون الخطة العامة للدولة، وغيرها من القوانين المرتبطة بالمحليات.. ويأتى قبل مناقشة تلك القوانين ضرورة التدريب والتأهيل للمحليات والمشاركة السياسية تتضمن المحاور الخاصة بالتنمية المستدامة والحوكمة والرقمنة، بالإضافة إلى قوانين مكافحة الفساد ونشر ثقافة النزاهة والشفافية التى تعد أهم مشكلات المجالس المحلية، وفى هذه الحالة فإننا من الممكن أن نقول إن هناك من هم مؤهلين بالفعل فى إدارة شئون المجالس المحلية، وتعظيم دورها فى المجتمع المصرى، ومن الطبيعى أن يكون للشباب تحديداً اهتمامًا بالغاً فى المشاركة فى تلك الدورات التدريبية، بحسب أن نسبة كبيرة منهم سوف يتم تمثيلها فى المحليات.
لقد أعطى الدستور أهمية قصوى للمحليات من خلال 9 مواد تمثلت فى اللا مركزية فى الإدارة والموازنة المستقلة للمجالس المحلية، وكيفية مساءلة السلطة التنفيذية من خلال طلب الإحاطة والسؤال والاستجواب وأن هذه المواد الدستورية تم من خلالها تقسيم الجمهورية لوحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية يقابلها مجلس محلى منتخب يتمتع أفراده بالعديد من الصلاحيات، ومنع تدخل السلطة التنفيذية فى عمله، وهو الأمر الذى يحتم أن يكون هناك جاهزية لدى الأحزاب والكوادر والقوى السياسية بالدفع بمرشحين يستطيعون خوض الانتخابات، والقيام بالمسئولية الملقاة على عاتقهم.
هكذا دارت مناقشة قانون المحليات ودورها وأهميتها فى المرحلة القادمة، ويبقى هنا أن نؤكد بالفعل على ذلك بيد إننا يجب أن نتوخى الحذر فى عدم إندساس أى عنصر من العناصر غير المرغوب فى تواجدها، بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بعنصر التدريب وحسن الاختيار والمواءمة بين أنسب طرق مباشرة العملية الانتخابية، وهى كما ذكرنا من وجهة نظرنا على الأقل خلال المرحلة الحالية تكون من خلال القائمة المغلقة على أن يتمثل فيها جميع الأحزاب السياسية الكبيرة والصغيرة، بالإضافة إلى الشخصيات التى تثرى عمل المحليات، مع الحفاظ على النسب المقررة دستورياً بالنسبة للمرأة والشباب وذوى الإعاقة بالشكل الذى يحقق وجود منظومة متكاملة ومتناغمة لإدارة المحليات، بما يحقق آمال وطموحات المواطن المصرى.. وتحيا مصر.