البنية التحتية.. حرب المستقبل
تُعد البنية التحتية في كل مكان بالعالم، عنصرًا غاية في الأهمية وحجر أساس الدول، فإذا كانت هناك بنية تحتية جيدة، نجد استمرارًا للاستثمارات القائمة، وزيادتها بشكل مستمر، ما دامت تتوجه الدول ناحية البنية التحتية ويتم استحداثها، وفقًا لكل عصر.. والبنية التحتية نوعان، أولهما الناعمة التي تقوم على ما يلزم من خدمات للحفاظ على المعايير الصحية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمواطنين، والآخر هو البنية التحتية الصلبة، وهي ما يُقصد بها البنية المادية التي تتمثل في الطرق والكباري وما على شاكلتها، وكلاهما في غاية الأهمية للدولة والسكان. إن هناك طفرة هائلة في البنية التحتية خاصة الصلبة بما تم إنجازه من مشروعات مثل وسائل النقل والمطارات والكباري الطرق الجديدة، جميعها أدى لاستقرار الاستثمارات وتطور أداء قطاعات مختلفة مثل السياحة، وتراجع واضح في نسبة العشوائيات بمصر.
إن طفرة هائلة في البنية التحتية خصوصًا الصلبة، قد حدثت على أرض مصر، بما تم إنجازه من مشروعات، مثل وسائل النقل والمطارات والكباري والطرق الجديدة والمدن الصناعية وغيرها، وجميعها أدى إلى استقرار الاستثمارات وتطور أداء قطاعات مختلفة مثل السياحة، وتراجع واضح في نسبة البطالة وحجم العشوائيات بمصر.. ويكفينا هنا مثلًا، المشروع القومى للطرق، الذى يتضمن تنفيذ شبكة من الطرق تصل أطوالها إلى 7500 كيلو متر، تعادل حجم ما تم تنفيذه فى مصر من شبكة طرق على الإطلاق، معظمها من الطرق الحرة، وهذا سيُحدث نقلة كبيرة فى الاقتصاد المصرى.. وربما غاب عن البعض أن من أهم أسباب الإسراع فى تنفيذ هذا الحجم من الطرق، بإنفاق ضخم فى فترة زمنية قصيرة، إلى التأخر لما يزيد ما بين ثلاثين إلى أربعين عامًا فى هذا المجال، حيث لم يكن هناك أى إنفاق فى قطاع الطرق والنقل، مما تسبب فى حالة تردٍ شديد للطرق، كان سيمثل عائقًا كبيرًا أمام جهود التنمية وجذب الاستثمار، إذا لم يتم تنفيذه بهذه السرعة.. فإذا عرفنا أن دولة مثل المغرب راهنت على صناعة ما يقارب المليون سيارة سنويًا من معظم الماركات العالمية في مصانعها، بسبب امتلاكها لبنية موانئ وشبكة طرق، ربطت بين مواقع الإنتاج ومنافذ التصدير، لأدركنا أيضًا لماذا كانت الأولوية للطرق والكباري والموانئ، خصوصًا ونحن نسارع الوقت لتعظيم الإنتاج المصري من استثمارات خارجية، لتعظيم حجم التصدير والحصول على عوائد دولارية تساهم في قوة الجنيه المصري أمام العملات الأخرى، مما يزيد من راحة المواطن وتحسين ظروفه المعيشية.
لقد أدركت القيادة المصرية، ممثلة في الرئيس عبدالفتاح السيسي، هذه الحقائق مبكرًا، واتخذت الطريق الصحيح، والصعب في آن واحد.. إذ إن الركون إلى الدعة وجريان الحياة كما جرت لعشرات من السنين مضت، كان كفيلًا بألا تنهض مصر من الكبوة التي عاشتها، وتذهب مثل الريح في اتجاه الخلف، والعالم من حولها يتقدم إلى الأمام.. طريق صعب حقًا، لأنه يفتح كل الملفات المُعطلة في وقت واحد، ويحتاج استثمارات ضخمة، وتكاتفًا من الشعب وتفهمًا لظروف المرحلة التي يعيشها، بل وتحمله لتبعاتها، أملًا في الغد المشرق الذي أصبح قريبًا فجره.. وكان الأصعب في هذا الطريق، كم التشكيك الذي أحاط بمسيرة البناء في مصر، من سابلة وغوغاء، لا يريدون لهذا البلد تقدمًا ولا لمواطنيه حياة كريمة.
لماذا أقول هذا الآن؟.
لقد أصدر البيت الأبيض في واشنطن (بيان حقائق)، أكد فيه أن الرئيس الأمريكي بايدن، وقع على قانون البنية التحتية من الحزبين، الديمقرطي والجمهوري، باعتبار البنية التحتية استثمارًا يحدث مرة واحدة في الجيل (لأمتنا وقدرتها التنافسية، حيث تقوم إدارة بايدن ـ هاريس بإعادة بناء طرقنا وجسورنا، واستبدال أنابيب الرصاص لتوفير المياه النظيفة، وتنظيف التلوث القديم وتوسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة بأسعار معقولة، والدخول في عصر جديد من الطاقة النظيفة).. وحتى الآن، أعلنت الإدارة عن أكثر من 220 مليار دولار من تمويل قانون البنية التحتية، بما في ذلك أكثر من 32000 مشروع، عبر أكثر من 4500 مجتمع في جميع الولايات الخمسين والعاصمة والأقاليم.. وتعمل مشروعات البنية التحتية الأمريكية على تنمية الاقتصاد، من الأسفل إلى الأعلى ومن الوسط إلى الخارج، مما يؤدي إلى استثمار القطاع الخاص أكثر من 470 مليار دولار، في التصنيع والطاقة النظيفة في الولايات المتحدة، وخلق وظائف ذات رواتب جيدة.
كذلك فعلت دول الاتحاد الأوروبي، بإعلانها عن استراتيجيتها الخاصة بإنفاق أكثر من 46 مليار دولار، على التكنولوجيا والبنية التحتية، وهي جزء أساسي في مواجهة الغرب لبرنامج (الحزام والطريق) الصيني.. وأطلق رؤساء مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، خلال افتتاح قمة مجموعة السبع في جنوب ألمانيا، برنامجًا للاستثمار في الدول النامية بقيمة ستمائة مليار دولار.. وتهدف الشراكة بين دول المجموعة للاستثمار في البنية التحتية العالمية، إلى توفير مئات المليارات، (التي يمكنها أن تصنع فارقًا في حياة الناس حول العالم)، في حين تتضمن خطة مبادرة (الحزام والطريق) الصينية، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينج عام 2013، مبادرات تنموية واستثمارية في أكثر من مائة دولة، مع مجموعة من المشاريع تتضمن السكك الحديدية والموانئ والطرق السريعة، وتتهمها واشنطن بأنها أداة لإسقاط الدول في (فخ الديون)، وهو ما تنفيه الصين.
يحدث هذا، في الوقت الذي وقعت روسيا وإيران اتفاقًا لتمويل وإنشاء خط للسكك الحديدية في إيران، ليكون جزءًا من خطط إقامة ممر نقل دولي يربط بين الشمال والجنوب، والذي يُنظر إليه على أنه رابط مهم في الممر الدولي الذي يهدف للربط بين الهند وإيران وروسيا وأذربيجان ودول أخرى عن طريق السكك الحديدية والبحر، إذ سيساعد هذا الخط الذي يبلغ طوله 162 كيلو مترًا، في ربط الموانئ الروسية على بحر البلطيق بالموانئ الإيرانية المطلة على المحيط الهندي والخليج، على طول ساحل بحر قزوين.
وهكذا.. إذا نظرنا من حولنا، صوب أي ناحية، سنجد اهتمامًا قديمًا بالبنية التحتية، مثلما فعلت الإمارات قبل ثلاثين عامًا، حتى أصبحت مركزًا ماليًا وتجاريًا عالميًا.. أو اهتمامًا حديثًا، كما أشرنا سالفًا، ونضم إليها المملكة العربية السعودية، التي بدأت خطتها الطموحة لـ(المملكة 2030).. لكن الفارق بين كل ما أشرنا إليه وبين مصر، أن كل الدول سالفة الذكر تملك إمكانيات مالية ضخمة تستطيع بموجبها فعل المستحيل، بينما تنحت مصر في الصخر، حتى تكون على قدم المساواة بين الدول الكبرى في العالم، وشتان بين الحالين.. إلا أنه، يُحسب لمصر، وخصوصًا للرئيس عبدالفتاح السيسي، أنه أدرك مبكرًا، وقبل عشر سنوات مضت، أنه بدون البنية التحتية، لن يكون لها ذكر بين العالمين، ونحن وسط عالم لا يرحم من كان متخلفًا عن الركب.. ناهيكم عن القول، بأن البداية المبكرة لمشروعات البنية التحتية في مصر، وفرت أموالًا ضخمة كان من المطلوب إنفاقها الآن، بسبب فروق الأسعار، كما أنها دفعت بالزمن خطوات كثيرة للأمام، حتى لم يتبق على بزوغ فجر الخير في مصر إلا القليل.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.