التحدى الاقتصادى العالمى وشبح الركود
إن ما يشهده العالم حاليًا من تحديات اقتصادية ناجمة عن أهم وكبرى الأزمات العالمية وهى النتائج الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا، وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى الأزمة الجديدة بالسودان، باعتبار أن أوكرانيا والسودان هما سلة الحبوب- ستكون نتائجه كارثية على اقتصاديات الدول وفق التقارير الدولية.
ومن أهم المخاطر التى تواجه الاقتصاد العالمى حاليًا هو احتمال حدوث أزمة مالية عالمية ناتجة عن زيادة أسعار الفائدة، مما قد يؤدى إلى تدهور النظرة المستقبلية للمؤشرات الائتمانية فى الاقتصاد العالمي، وعلى مستوى كافة الدول وخاصة الاقتصادات المتقدمة، وقد بدا يظهر ذلك بالقطاع المصرفى العالمى والذى شهد تأثر خمسة بنوك عالمية مما قد يؤدى إلى معاناة الاقتصادات الناشئة من تأثر إضافى للأوضاع الاقتصادية وتأثيره على مؤشرات ومستويات الدين العام قد يؤثر أيضًا على الإنتاج والتجارة العالمية وبالأخص على القطاع الخارجي.
وتمثل تقلبات المناخ أحد أهم المخاطر الذى قد تؤثر على الإنتاج وسلاسل الإمداد للسلع الأساسية، بما يؤدى إلى تذبذب الأسعار فى هذه السلع، خاصة فى الوقت الحالي، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وما سيسهم فى زيادة المخاطر المالية عالميًا، بالإضافة إلى الضغوط الخارجية التى تنعكس على عجز موازين المدفوعات طويلة الأجل بضغوط أكثر على عملات الدول النامية فى مواجهة الدولار، وهو الأمر الذى دفع بعض الدول لاستخدام عملات أخرى فى التعاملات الدولية بخلاف الدولار.
إن الآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية لم تنته بعد، وإن آثارها السلبية ستستمر إلى العام الحالى وقد تطول العام القادم، بما يشكل ضغطًا واضطرابًا لشبكة التجارة العالمية بشكل مباشر وغير مباشر، أضف لذلك أن استمرار أسعار الفائدة لقبح معدلات التضخم المرتفعة قد يؤدى إلى المزيد من الاضطرابات فى الاقتصاد العالمى وأسواق المال العالمية والقطاع المصرف العالمى بصفة خاصة، بالإضافة إلى أن استمرار سياسة البنوك المركزية التقييدية قد يؤدى إلى ركود اقتصادى خاصة فى الاتحاد الأوروبى ودول أمريكا، حيث يعتقد البعض أن هناك احتمالية لركود اقتصادى بما سيؤثر على مؤشرات الائتمان والدين العام عالميًا، وهو ما سينتج عنه حدوث تباينات فى الأسواق الناشئة لإيجاد بدائل ومصادر للتمويل.
إن التقارير الدولية الصادرة عن صندوق النقد الدولى والصادر فى أبريل 2023 تقول إنه من المتوقع أن يتراجع نمو النشاط الاقتصادى العالمى إلى نحو 2.8% فى عام 23 مقارنة بالتقديرات السابقة فى عام 2022 والبالغة 3.4% نتيجة تداعيات الموجة التضخمية وما تبعها من ارتفاع تكلفة التمويل بصورة كبيرة وتكلفه أكبر بأسعار السلع الأساسية، ومنها القمح والبترول والزيوت وغيرها.
ولعل آخر تقرير لآفاق التجارة العالمية عن حركة التجارة الدولية فى أبريل 2023 يكشف المزيد من توقع الأزمات، حيث توقعت منظمة التجارة العالمية تأثر حجم التجارة السلعية بالأزمة الحالية لينمو بمعدل 1.7% عالميًا فى العام الحالى ومن المتوقع أن يحدث هذا التباطؤ فى النمو العالمى لحركة التجارة الدولية إلا أن أسوأ التوقعات لم تتحقق وستطول السياحة أيضًا.
إن المتابعة الاقتصادية للوضع العالمى تؤكد ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة فى ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، مع استمرار أسعار السلع الأساسية والخدمات العالمية فى الارتفاع الشديد مدفوعة بزيادة فى معدلات الادخار التى تمت خلال فترة جائحة كورونا، والتى كانت مصحوبة بانخفاض شديد فى الطلب العالمى لفترة مؤقتة، وتعد معدلات التضخم العالمية الحالية هى الأعلى ارتفاعًا فى تاريخ التجارة العالمية لأعلى مستوى لها منذ عام ،1996 وهو ما كان سببًا فيما حدث من اضطرابات بالبنوك المركزية، والتى عادت إلى البدء فى رفع أسعار الفائده لمستويات غير مسبوقة لتقييد الأوضاع المالية وتحجيم السيولة المتاحة على أمل تباطؤ الاقتصاد وترويض التضخم، إلا أن الجهود التى بذلتها البنوك المركزية حول العالم قد جاءت متأخرة جدًا وبطيئة فى عدد كبير من الدول، لا سيما فى الدول الغربية حيث أدت صدمة ارتفاع أسعار الطاقة فى ظل الحرب بأوروبا إلى دفع التضخم بصورة غير مسبوقة.
وتعد التوقعات المستقبلية للتعافى العالمى سلبيًا، فى ظل المخاطر التى شكلها السداد النقدى على دفع النشاط الاقتصادى، ويمكن أن تصل أسعار الفائدة عالميًا لمستويات مرتفعة للغاية، بما يؤدى إلى دخول الاقتصاد العالمى فى حالة انكماش وركود مسحوب بمعدلات نمو ضعيفة واحتمالية استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وفى جميع الحالات فمن المتوقع أن تستمر معدلات التضخم على مستوى العالم عند مستويات أعلى من المستوى الثانوى المحقق فى السابق. فى حين ستظل أسعار الفائده أعلى من المتوسط المعتاد. وأمام احتمالية صغيرة لانخفاض طفيف فى أسعار الفائدة خلال النصف الثانى من العام المالى القادم مقارنة بأسعار الفائدة السارية الحالية.
إن دول العالم مقبلة خلال العام المالى الحالى على أزمة حقيقية نتيجة ارتفاع أسعار الحبوب والطاقة فمؤشر الحبوب للبنك الدولى لا يزال أعلى بكثير من الأسعار السائدة خلال فترة ما قبل الحرب.