خطيئة تكريم محمود أبوالفتح
على مواقع الأخبار قرأت خبرًا عن تكريم نقابة الصحفيين عددًا من رموز الصحافة الراحلين.. فى قائمة التكريم أسماء من أحب الناس إلى قلبى مهنيًا وإنسانيًا أنا وغيرى.. رموز ناصعة مثل صلاح عيسى ومحمود عوض وصلاح الدين حافظ والأستاذ عبدالعال الباقورى.. لكننى توقفت كثيرًا عند الاسم الأول فى قائمة المكرمين، وهو الأستاذ محمود أبوالفتح رئيس تحرير جريدة المصرى الشهيرة ومؤسس نقابة الصحفيين.. هل سبب اعتراضى على تكريم محمود أبوالفتح سبب مهنى؟ حاشا لله.. هو من أكبر الصحفيين المصريين وصاحب جريدة ناجحة جدًا ولعب دورًا فى مساندة ثورة يوليو فى بداياتها.. ما سبب اعتراضى على تكريم هذا الاسم الكبير إذن؟ سبب اعتراضى أن هذا رجل أخذته العزة بالإثم حتى وقع فى شبهة الخيانة وتعاون مع أعداء مصر فى الخارج ووقف ضد بلده أثناء العدوان الثلاثى على مصر وأسس إذاعة كاملة بأموال المخابرات البريطانية لتثبيط همم المصريين أثناء العدوان الثلاثى.. وأنه ظل على موقفه حتى مات فى الخارج ورفض الرئيس جمال عبدالناصر دفنه فى مصر.. فتم نقل جثمانه من أوروبا لتونس ودفن هناك.. وكى أكون منصفًا موضوعيًا أقول إن الرجل بدأ حياته وطنيًا كبيرًا فى إطار مبادئ الوفد.. كان صحفيًا لامعًا فى الأهرام.. ثم أسس جريدة المصرى على مبادئ الوفد.. ونجحت الجريدة نجاحًا كبيرًا ورعاها حزب الوفد ماديًا وسياسيًا فازدهرت أكثر.. وحسب شهادة د. سيد أبوالنجا، خبير إدارة الصحف، فقد تحول محمود أبوالفتح إلى رجل أعمال ومليونير كبير فى منتصف الأربعينيات.. ولعل الأهم أن الرجل كان صاحب يد بيضاء على ثورة يوليو وساهم فى نجاحها.. حيث كانت زوجته هى شقيقة الراحل العظيم ثروت عكاشة فأسر له أبوالفتح أن الملك عرف معلومات مهمة عن تنظيم الضباط الأحرار، فأبلغ ثروت جمال عبدالناصر، وهو ما أدى للتبكير بموعد حركة الضباط الأحرار عدة شهور لاستباق بطش الملك بضباطها.. ولم يكن هذا كل شىء.. فقد استمرت علاقة محمود أبوالفتح بجمال عبدالناصر وبالضباط الأحرار قوية حتى وقوع أزمة مارس ١٩٥٤، حتى إن سهراتهم اليومية كثيرًا ما كانت تنعقد فى حديقة صحيفة المصرى المطلة على شارع قصر العينى «تحولت لدار الشعب».. ثم وقعت أزمة مارس ١٩٥٤ ولم يكن الخطأ بالطبع فى موقف أبوالفتح من الجناح المنتصر فى قيادة الثورة.. لأن كل شخص حر فى موقفه.. ولكن فى سفره للخارج وانحيازه لأعداء بلده أثناء العدوان عليها، ووقوفه ضد جيش بلاده أثناء حربه مع ثلاث دول معتدية هى بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وإطلاقه إذاعة بأموال المخابرات البريطانية أثناء الحرب ضد مصر هى إذاعة مصر الحرة.. وقد أفاض الأستاذ محمد حسنين هيكل فى إيضاح تفاصيل تورط الأستاذ محمود أبوالفتح فى التعاون مع أعداء مصر فى عام ١٩٨٧ فى معركة شهيرة مع الأستاذ أحمد أبوالفتح الشقيق الأصغر لمحمود أبوالفتح.. هذا من وجهة نظرى صحفى كبير تورط فى شبهة الخيانة ودفعه العناد إلى الخطيئة الكبرى فباع بلده وتورط مع أعدائه.. وأرى أن مجلس النقابة- الذى أقدر كثيرًا من أعضائه- قد تورط فى هذا التكريم ولم ينتبه لحدود دوره كمؤسسة تعمل فى إطار الدولة الوطنية.. والتكريم بشكل عام يحمل من وجهة نظرى رسالة سلبية لم أكن أحب لمجلس النقابة أن يتورط فى إرسالها أو أن يغفل عن معنى إرسالها.. هذا اجتهادى الشخصى.. والله أعلى وأعلم