تحية لقواتنا المسلحة
مَن يتابع أخبار الحروب فى أوكرانيا والسودان وما حدث فى ليبيا وسوريا والعراق، يسجد لله شكرًا أن جنبنا الله ويلات تلك المشاحنات والحروب، بفضل رجال أسسوا لجيش قوى قادر على فرض احترام مصر على الجميع.
كانت حدودنا الغربية والشرقية تغلى بسبب ليبيا.. كانت قوات حلف «ناتو» على أهبة الاستعداد لغزو ليبيا واحتلال منابع النفط فيها، وأغرقت طائرات حلف «ناتو» صحراء ليبيا بكل أنواع الأسلحة والذخائر، كانت تلقيها فى الصحراء؛ لتأخذها العصابات الإرهابية لتهريبها عبر مصر إلى سيناء فى غيبة وانشغال قواتنا المسلحة فى تأمين البلاد فى أعقاب ما عرف وقتها بالانهيار الأمنى.
وتحوّلت غزة إلى ممرات وأنفاق لتهريب السلاح والمخدرات داخل البلاد وتهريب السلع المصرية المدعومة خارجها، وأصبحت منطقة شمال سيناء بؤرة الإرهاب ومركزًا لكل الجماعات الإرهابية.
ولولا يقظة جيشنا ووقوفه بحسم أمام تلك الأطماع على الحدود لكان لمصر شأن آخر، وها هى حدودنا الجنوبية تشتعل بصراع الإخوة فى السودان، ولولا قواتنا المسلحة لحدث فى مصر الكثير.
فى فترة من فترات ما يعرف بثورة يناير ٢٠١١، أُذيع فيديو يُظهر أحد أعضاء حزب ثورى من الأحزاب المشاركة فى الثورة، وهو يشرح خطته المقبلة لهدم مؤسسات الدولة، وهى الداخلية والقوات المسلحة ثم مؤسسة القضاء.
كان المتحدث وهو شاب ثورى، يتحدث بثقة، كما لو أن تلك الخطة مضمونة النجاح، وأن تنفيذها يتم بسهولة، وظهر على استحياء بعض الدعوات التى تطالب بعودة القوات المسلحة إلى ثكناتها، ثم أعقبتها حملة منظمة لتشويه ماضيها العسكرى، وظهر عدد من المتحدثين وهم يتحدثون عن خطورة حكم العسكر، وتلاشت من أجهزة الأعلام المصرية أى إنجازات للجيش المصرى، سواء فى حرب أكتوبر، أو فى عملية بناء البنية التحتية فى البلاد، والتى تمثلت فى الطرق الكبارى وبعض المشروعات العملاقة.
وكانت قمة المأساة هى تلك المحاولات التى جرت من بعض المتحمسين من أنصار بعض المشايخ بالاعتصام أمام وزارة الدفاع، ثم التجمع أمام الوزارة لمهاجمتها.
أيقنت وقتها أن المخطط الذى تحدث عنها عضو الحزب الاشتراكى جار تنفيذه على قدم وساق. وتوقفت لأتبين حقيقة هذا الموقف الغريب الذى تبناه هذا الرجل.
هنا تبينت لى تلك الخطة الجهنمية التى تسعى إليها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل القضاء على آخر جيش قوى فى المنطقة، وفق خطة محكمة ظهرت من خلال سياستها فى الشرق الأوسط منذ السبعينيات.
فى تلك الفترة كانت هناك أربعة جيوش قوية فى مواجهة جيش إسرائيل، هى جيش إيران، جيش العراق، جيش سوريا، وجيش مصر.
فى تلك الفترة أيدت أمريكا عودة الخمينى إلى إيران، بعد أن كان منفيًا فى فرنسا، وكانت عودته على أنقاض حكم الشاه، وكان الخمينى وقتها يعيش فى فرنسا، كانت إيران وقتها تمتلك أكبر قوة ضاربة، يليها جيش العراق، ثم الجيش السورى. وبدخول الخمينى وقيامه بفرض الدولة الدينية بدأت الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها فى تأليب خصوم الخمينى السابقين عليه، وأبرزهم صدام حسين، وأدخلتهما أمريكا فى سلسلة متصلة من الحروب الطاحنة.
وعندها بدأت الولايات المتحدة فى تنفيذ خطة ضرب الجيوش العربية التى تشكل تهديدًا محتملًا لإسرائيل، فأوعزت إلى صدام حسين بغزو الكويت فى بداية التسعينيات، وأرسلت له السفيرة أيرل جلاسبى لتبلغه بسكوتها لو قام صدام حسين بذلك. وخلال أسبوع كان صدام يحتل الكويت، وبدأت أمريكا تعد خطتها التى تدرب عليها الجنرال شوارسكوف فى صحراء نيفادا الأمريكية، وأنذرت صدام بالخروج من الكويت، وهى تتمنى أن يرفض، وبدأت فى الالتفاف حوله ومحاصرته سياسيًا ودوليًا وعربيًا عن طريق التحالف الدولى ضده، وأوعزت إلى مبارك أن يدعوه إلى الخروج من الكويت، وهى تعلم أن صدام لم يكن يحترم مبارك، وأنه يعاند ويكابر حتى اكتملت الخطة. وفى مارس ٢٠٠٣ تم الهجوم على الجيش العراقى، وتم تدميره بالكامل. وقامت بتعيين بول بريمر حاكمًا على العراق، وبدأ فى فك وحل الجيش العراقى رسميًا بموافقة الثوار العراقيين. وبهذا تخلصت أمريكا من الجيش العراقى.
ثم بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تحاصر إيران بفكرة الأسلحة النووية، وبدأت تراقب الجيش الإيرانى وتسليحه، وفُرض على إيران حصار اقتصادى وسياسى، وها هى تستعد للانقضاض عليها.
وتخلصت أمريكا من أكبر جيشين فى المنطقة.
يتبقى الجيش المصرى والجيش السورى.
حتى جاءت الألفية وبدأ الربيع العربى، وقامت ثورة يناير فى مصر، وكان موقف أمريكا واضح التأييد لمبارك، لكنها عندما لمست إصرار المصريين على رحيله، لم تتردد، وأشارت له بالرحيل.
كانت الخطة الأمريكية لتدمير الجيش تنطلق من زاويتين:
الأولى: زعزعة ثقة الشعب فى القوات المسلحة عن طريق إهانة رجالها واتهامهم بقتل المتظاهرين، ومحاولة البقاء فى الحكم، ووصل الأمر إلى حد المناداة بسقوط المجلس العسكرى، بل ظهر بعض الكتابات للفصل بين المجلس العسكرى والقوات المسلحة.
والثانية: التعتيم على إنجازات الرؤساء السابقين على مبارك، باعتبارهم من القوات المسلحة، وإظهار ديكتاتورية جمال عبدالناصر وأنور السادات ومبارك باعتبارهم من العسكريين، ومحاولة الحد من تولى الأكفاء من رجال القوات المسلحة المناصب المدنية فى الدولة.
الغريب أن بعض الأحزاب الراديكالية والليبرالية واليمينية انساقت إلى تلك الدعوات وراء مصالحها الخاصة المحدودة.
إلا أن جيشنا بقى صامدًا أمام تلك المحاولات.