كمال الطويل.. العملاق المصرى
فى ٩ يوليو المقبل تحل الذكرى العشرون لرحيل الموسيقار الكبير كمال الطويل.. وفى ١١ أكتوبر المقبل تحل الذكرى المئوية لميلاده.. ولا شك أن كلا المناسبتين تستحقان الاحتفاء بهذا الموسيقار الوطنى الكبير وأن تزامنهما معًا يجعل من العام الحالى هو عام كمال الطويل.. هناك بالطبع عشرات المبررات للاحتفال بذكرى هذا العملاق الطنطاوى، ابن العائلة الوفدية الكبيرة، لكن أهمها أنه واحد من جيل الملحنين الذين حملوا لواء التجديد فى الموسيقى العربية والمصرية.. تسلّم كمال الطويل وجيله راية التجديد من محمد عبدالوهاب والسنباطى وزكريا أحمد وشكلوا موجة جديدة من الموسيقى كان مركزها الأساسى صوت عبدالحليم حافظ.. من الناحية العمرية يمكن تسميتهم جيل الخمسينيات فى الموسيقى العربية، وهو جيل ضم بالأساس كمال الطويل ومحمد الموجى وبليغ حمدى، الذى كان أصغر سنًا وذا موهبة متفجرة.. هذا الجيل اشتعلت موهبته مع ميلاد ثورة يوليو وحركة التغيير الاجتماعى فى مصر والعالم العربى وارتبط فهمه للفن بالدور السياسى والاجتماعى للغناء والموسيقى، وكانت عظمة فنانى هذا الجيل أن ما قدموه ظل محافظًا على مواصفات جمالية قياسية وإبداع حقيقى وفن صافٍ لا يتأثر بموجات المباشرة والرسائل السياسية التى يريدون إرسالها فى أعمالهم.. على مستوى الثقافة والوعى كان كمال الطويل هو عرّاب هذا الجيل وهو الذى شجع صديقه عبدالحليم حافظ على احتراف الغناء وكان صاحب لحن الأغنية التى تقدم بها للإذاعة بينما كانت الكلمات للشاعر الكبير صلاح عبدالصبور الذى كان بلديات عبدالحليم حافظ فى مدينة الزقازيق.. لم يكن غريبًا أن يدخل الطويل ورفاقه فى شراكة فنية مع شعراء مثل صلاح جاهين والأبنودى الذين شاركوهم الوعى بدور الفن والغناء فى صيانة وجدان المصريين وتحفيزهم على خوض معارك التقدم والبناء.. كمال الطويل هو صاحب النشيد الوطنى لمصر طوال عشرين عامًا من ١٩٥٧ وحتى ١٩٧٧ والذى غنته أم كلثوم بصوتها من كلمات صلاح جاهين وحمل اسم «والله زمان يا سلاحى»، يقول الطويل إنه انفعل بقضية وطنه أثناء العدوان الثلاثى فكتب اللحن أولًا وأسمعه لصلاح جاهين على الهاتف.. فى نفس الليلة كتب جاهين كلمات الأغنية وذهب بها كمال الطويل لأم كلثوم فى بيتها.. بعد نهاية العدوان أقيمت مسابقة لاختيار نشيد وطنى جديد ففاز لحن الطويل وأصبحت أغنيته هى النشيد الوطنى لمصر.. ألحان الطويل لأغانى عبدالحليم حافظ السينمائية تحديدًا صارت جزءًا من ذاكرة المصريين العاطفية والفنية.. من منا لم يغنِ «على قد الشوك اللى فى عيونى» أو «أسمر يا اسمرانى» أو «بلاش عتاب» أو «نعم يا حبيبى نعم»...إلخ.. أما على مستوى الأغانى الوطنية فقد كان شريك عبدالحليم وصلاح جاهين فى أروع الأغانى الوطنية.. من صورة إلى بالأحضان إلى حكاية شعب إلى إحنا الشعب.. وبصوت سعاد حسنى لحّن الطويل بعد حرب أكتوبر.. «دولا مين ودولا مين؟ دولا عساكر مصريين» من كلمات أحمد فؤاد نجم.. لحّن الطويل أروع الألحان لنجاة الصغيرة ووردة وليلى مراد ومحمد قنديل وأم كلثوم.. وهو قصة كبيرة جدًا أكبر من أن تحكى فى سطور قليلة.. لدينا فى دار الأوبرا العشرات من المواهب الذين يحفظون كل أغانى كمال الطويل ويتدربون عليها منذ نعومة أظافرهم.. أدعو الشركة المتحدة إلى التنسيق مع دار الأوبرا المصرية لترتيب احتفالية الطويل فى يوليو المقبل، وهى مناسبة عظيمة لنستعيد أغانى العمالقة بأصوات مصرية جميلة مثل مدحت صالح وهانى شاكر ومحمد الحلو ومحمد ثروت وعلى الحجار وعبده شريف ومروة ناجى وريهام عبدالحكيم وغيرهم عشرات وعشرات.. ما أحوجنا لاستعادة روح كمال الطويل وفهمه للفن وعلاقته بالوطن فى هذه الأيام.