رئيس اتحاد الناشرين العرب: مصر "القوة الضاربة" فى أى معرض عربى للكتاب
قال محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، إن الدورة الحالية لمعرض تونس الدولي للكتاب تشهد تطورا كبيرا من حيث الشكل والمضمون، عبر إدخال عناصر متنوعة لمكونات المعرض، وفي مقدمتها الفن والموسيقى والمسرح والإبداع بأشكاله، باعتبار أن كل ذلك من أساسات الفكر الثقافي.
وأضاف رشاد، على هامش فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب، إن هناك تنوعا عربيا في النسخة الحالية للمعرض من خلال مشاركة العديد من الدول، وفي مقدمتها مصر والأردن والعراق وقطر والجزائر والمغرب، مشيدا بالإقبال الكبير من الناشرين المصريين والعرب، مؤكدا أن المشاركة المصرية تمثل القوة الضاربة في أي معرض من المعارض العربية باعتبارها دوما تضم أكبر عدد من الناشرين باتحاد الناشرين العرب، حيث يمثلون ثلث أعضاء الاتحاد، بالإضافة إلى أن هناك 1400 ناشر مسجل في اتحاد الناشرين المصريين، وهو عدد كبير مقارنة بدول الاتحادات الأخرى التابعة لاتحاد الناشرين العرب.
وأشار رئيس اتحاد الناشرين العرب إلى أنه لم يحضر الدورة السابقة ولكن بصفته رئيس مجلس إدارة الدار المصرية اللبنانية للنشر وكان رئيس اتحاد الناشرين المصريين فكان يحضر كل عام، فهو يشارك منذ أول دورة لمعرض تونس الدولي الكتاب، مؤكدا أن هناك قارئًا واعيًا في تونس ومتميزًا يبحث دائما عن الجديد ومتنوعًا في قراءاته وليس مرتبطًا دائما بالفكر الذي يقدم لكن لديه تنوع، خاصة أن بلاده دولة مهمة لها تاريخ في الثقافة العربية والحضارة الإسلامية.
وحول اختيار العراق كضيف شرف، قال رشاد إن هذا الاختيار أسعده كثيرا خاصة أن زملاءنا الناشرين العراقيين يعانون معاناة شديدة بسبب الأوضاع والظروف الموجودة في بلادهم ونحن نحتفي بالعراق كضيف شرف، وهذا شيء مهم جدا أن يكون موجودًا لأن هناك إشكالية بين الثقافة العربية بمدلولها الحديث، وربما المشرق العربي لا يعرف ما ينتج في المغرب العربي بشكل كبير، بينما المغرب العربي لديه معرفة كاملة بما ينتج في المشرق العربي، فالعراق تحظى بأنها تنقل ثقافتها لهذه المنطقة، بالإضافة إلى وجود ضيف شرف آخر ألا وهو مؤسسة "كتارا" القطرية.
ولفت رشاد إلى أن المعارض عوّدت القارئ على اقتناء الكتاب من العام إلى العام، وإنما أحد أسباب ازدهار صناعة النشر في الدول الأوروبية وأمريكا أن القارئ تعود في نهاية الأسبوع أن يذهب إلى المكتبة لاقتناء كتاب جديد، فمهما كانت قدرة القارئ العربي على الادخار لشراء الكتب من العام إلى العام فإنه لا يستطيع أن يقتني كل ما يرغب فيه، وهناك تجارب عربية ناجحة مثل معرض القاهرة الدولي فلديه قاعة للعرض وقاعة للبيع، وكذلك معرض أبوظبي، وكل ذلك يسهم في الوصول إلى نوع من الاحترافية.
وحول التحديات التي تواجه اتحاد الناشرين العرب، قال محمد رشاد إن هناك مشكلة في العالم العربي، وهى عدم الاعتراف بأن النشر صناعة، وهذا أحد أسباب تدهور صناعة النشر به، فصناعة النشر في العالم هي صناعة ضعيفة وليس صناعة قوية وذلك يرجع إلى دخول الصناعة في منطقتنا العربية بعد ظهور الطباعة في أوروبا عام 1440 أي بعدها بحوالي أربعة قرون.
وأوضح أن صناعة النشر على المستوى العام تواجه صعوبة وتحديا كبيرا، فمن غير المعقول أن تعددنا كعرب يبلغ حوالي 400 مليون نسمة وعدد الناشرين يتراجع، فالكميات التي يتم طباعتها من كل كتاب تتناقص، خاصة مع ظهور الطباعة الديجتال فمن الممكن أن يطبع 100 نسخة فقط بعد أن كانت تصل إلى حوالي ألف نسخة، وهو ما لا يتناسب مع عدد السكان والجامعات أو التلاميذ، لقد كنا نطبع في السبعينيات من كتب الأطفال 20 ألف كتاب، والآن نطبع ألفي نسخة فقط.
وأكد رئيس اتحاد الناشرين العرب أنه آن الأوان على الحكومات العربية الاعتراف بأن النشر صناعة قوية ويجب تذليل أي عقبات من أجل الارتقاء والنهوض بها، فليس من المعقول أن ما ينتجه العالم العربي بأكمله يتراوح ما بين 60 و65 ألف كتاب سنويا وإسبانيا وحدها تطبع 70 ألفا، لافتا إلى أنه على سبيل المثال وليس الحصر فقد قام مركز الدراسات بالاتحاد بعمل استبيان في أول عام الكورونا، وتبين أن حجم المبيعات التي حققها الناشرون الألمانيون بلغ حوالي 9.7 مليار يورو بينما نحن في عالمنا العربي نواجه أزمة حقيقية في هذا الشأن.
وأضاف رشاد أن من أهم القضايا التي تواجه الاتحاد عدم ترسيخ احترام الملكية الفكرية لدى المواطن العربي، وما ينشر عنه من اعتداء على الملكية الفكرية، ونحن كاتحاد نطالب الجهات المعنية في كل دولة بإعادة النظر في القوانين وأن تكون هناك قوانين مغلظة في هذا الجرم، لأن استباحة كتب المؤلفين وبالتالي عدم وجود عائد لهم تجعل الغالبية العظمى منهم يتوقفون عن الكتابة وبالتالي سيفتقد وقتها العالم العربي القوى الناعمة التي تستطيع إيصال الفكر.
وأوضح رئيس اتحاد الناشرين العرب أن أهم أهداف لجنة حماية الملكية الفكرية بالاتحاد هو مواجهة مشكلات مثل القرصنة والاعتداء على حرية الملكية الفكرية، التي تعتبر من أهم التحديات التي تواجه صناعة النشر حالياً، وتؤثر عليها، واتحاد الناشرين العرب يعمل على مواجهة هذه المشكلة من خلال الندوات والمؤتمرات، مشيرا إلى أنه من صلاحيات اللجنة فرض عقوبات على المزور ومنعه من المشاركة في المعارض العربية وفرض غرامات مالية.
وشدد رشاد على ضرورة نشر الوعي واحترام الملكية فالناشر العربي يعاني معاناة شديدة، محذرا أنه إذا لم تلتفت الحكومات العربية لدعمه وتساعده ليس بالأموال ولكن من خلال المكتبات العامة والمدرسية والجامعية فهناك ناشرون خرجوا من المهنة ولن يصمد إلا من يستطيع التحمل، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي يعاني منها العالم أجمع، مشيرا إلى أن هناك مستفيدا واحدا من هذا الوضع وهي الشركات العالمية التي لديها القدرة على تحمل الظروف الحالية، مثل أمازون وجوجل، والتي بدأت في الاستحواذ على صناعة النشر العربية، وفي النهاية سيضطر الكاتب لكتابة مؤلفاته باللغة الإنجليزية، وهو ما سيسهم في تغيير الهوية العربية، وبالتالي حدوث تغييب للوعي للمواطن العربي.
ولفت إلى أن هناك أيضاً مشكلات مثل ارتفاع الجمارك على مستلزمات الإنتاج، وارتفاع الضرائب على الناشر، وعدم وجود خطوط منتظمة للشحن على مستوى الوطن العربي، والتكلفة الكبيرة لإنشاء المكتبات التجارية، كما أن الناشر العربي لا يتوجه لنشر الكتاب المدرسي الذي يعتمد عليه كثير من الناشرين في الغرب، لأنه يطبع بكميات كبيرة.
وطالب رئيس اتحاد الناشرين العرب الحكومات العربية بضرورة عمل برامج قوية لنشر ثقافة الاهتمام بالنشء لتعويدهم على القراءة ومحاربة مشكلة الأمية التي ما زالت منتشرة في عدد من دول العالم العربي، وتصل نسبتها لحوالي 30%، وهي بالتالي تؤثر بشكل كبير على الكميات المطبوعة، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء المكتبات العامة التي تعد أحد أسباب نجاح الدول المتقدمة، فمن ليس لديه القدرة على شراء الكتب فيمكنه الذهاب إلى المكتبات العامة من أجل الاطلاع والمعرفة.
وحول الصراع بين الكتاب الورقي والإلكتروني، أكد محمد رشاد أن الكتاب الورقي سيظل صامداً مهما كانت العقبات ومهما اختلفت الأزمنة، فهو موجود منذ عام 1440م، عندما اخترعت الطباعة وحتى من قبلها، عندما كان الناس في العصور القديمة يكتبون على الأحجار والجلود، مروراً بالكتابة على أوراق البردي عند المصريين القدماء وألواح الطين عند الأشوريين في العراق. فالكتاب الورقي مستمر دون شك ولكن هذا لا يمنع من وجود الكتاب الإلكتروني والناشر الإلكتروني.
وأكد رئيس اتحاد الناشرين العرب، في ختام حواره: «إن النشر الإلكتروني مطلوب إلى جانب الورقي، خاصة في موضوعات معينة مثل الموسوعات العلمية والقواميس، بينما الموضوعات الفكرية والروايات والشعر والأدب يناسبها أكثر الكتاب الورقي فالصراع القائم بين الاثنين لا معنى له، لأن كل منهما يكمل الآخر، والإحصاءات التي ترد إلينا من اتحاد الناشرين الدولي تؤكد أن النشر الورقي نسبته تزيد في حدود من 8% إلى 10% سنوياً مع تراجع في النشر الإلكتروني».