حصن أمان للملايين
فى بداية الثمانينيات كان هناك إعلان مميز لإحدى شركات التأمين.. كان يذاع فى شهر رمضان قبل بدء المسلسل الرمضانى الوحيد الذى يعقب الفوازير.. كانت بطلة المسلسل دمية صغيرة تصعد على كرسى لتتصل بالتليفون الأرضى.. كانت تبدأ المكالمة بالسؤال عن موعد المسلسل ليجيبها الطرف الآخر قائلًا.. حالًا.. ثم ينطق المذيع بالشعار الإعلانى.. مصر للتأمين حصن أمان للملايين.. قفز الشعار إلى ذهنى وأنا أتابع الأحوال السياسية المضطربة فى الإقليم حولنا، وأردد أن مصر هى حصن أمان للملايين أو لعشرات الملايين فعلًا.. مصر واحة استقرار فى محيط مضطرب وممزق ومفتت.. مصر واحة أمان فى محيط يملؤه الخوف.. هذه حقائق سياسية وليست شعارات عاطفية ولا جملًا دعائية.. فى علم اللغة لا يوجد فعل بلا فاعل ولا صفة دون موصوف ولا نتيجة دون سبب.. إلى جانب رعاية الله وحفظه فإن استقرار مصر يرجع لمؤسسات الدولة الوطنية الواعية دورها، التى امتزجت مع الشعب فى ثورة ٣٠ يونيو واستبقت كل رياح التشتت والتمزق وسيناريوهات البلقنة التى أريدت لهذه المنطقة.. رغم أن الواقع ليس مثاليًا فإننا نعيش مناخًا من الأمن دفع ثمنه الشهداء بالدم ودفع ثمنه الرجال بالعرق فسرنا نحو المستقبل، بينما امتدت أياد شيطانية لتخطف من حولنا نحو الماضى.. باستثناء الدول الملكية والأميرية التى ندعو الله أن يحفظها وأهلها امتدت أصابع الفوضى لكل الدول العربية ذات الجيوش القوية.. ورغم أن مصر فى طليعة هذه الدول إلا أن وطنية جيشها وبراعته حمتها من كل مخططات التقسيم والفوضى الخلاقة وأسقط وعى شعبها المحاولات المستمرة لتحطيم استقرارها وتشويه الجهود المخلصة التى تبذل لدفع التنمية والاقتصاد وحياة الناس فيها للأمام رغم صعوبة الظروف وقسوتها.. يبدو المشهد الدولى وفى القلب منه الوطن العربى مثل لوحة سريالية يرسمها شخص شرير وفوضوى وليس فنانًا مرهفًا.. مساحات متداخلة من الفوضى والألوان المختلفة وحدود سائلة وأطراف معلنة وأخرى خفية.. تنطلق موجات من الفوضى تحمل اسمًا دعائيًا هو الربيع العربى.. دون أن نعرف ما هى سمات هذا الربيع وما هى دلائله؟ ولماذا هو ربيع وليس شتاء أو خريفًا أو صيفًا قائظًا.. تنطلق موجات تغيير مصنوع تستغل عيوبًا طبيعية فى النظم القائمة وتنتج عنها أعوام من الفوضى والحروب والدماء.. نجت مصر من الموجة الأولى بفضل جيشها ومرت بجانبها الموجة الثانية وهى آمنة وإن تشظت دول محيطة ومجاورة تعتبر مجالًا حيويًا للأمن القومى المصرى.. استخدمت سيناريوهات مختلفة وتحالفات مع إرهابيين ومنظمات دولية وتمويلات سخية لإسقاط دول على علاقة وثيقة بأمن مصر واقتصادها ومجالها الحيوى، وبقيت مصر صامدة ومتنبهة وقوية بفضل شعبها ومؤسساتها ورجال دولتها.. لا يحتمل الوضع فى وضوحه وصراحته ومأساويته الكثير من التحليل بقدر ما يستدعى أن ندعو الله بالأمن والأمان لمصر، وبقدر ما يستدعى أيضًا أن نصدق كل حرف قيل لنا عن مخططات استهدفت بقاءنا ووحدتنا واستخدم فيها إرهابيون ومغامرون ومرتزقة من هنا وهناك.. يستدعى الوضع أيضًا أن نحمد الله على نعمة الأمن والتنمية وأن ندرك أن قوتنا فى وحدتنا بالفعل.. نحمد الله على نعمته ونعمل من أجل مستقبل أكثر أمنًا ورخاء وتنمية ونخلص فى العمل والدعاء.. فالله لا يضيع أجر العاملين.