ما زالت تحت الوصاية
جاءت الحلقة الأخيرة من المسلسل المهم «تحت الوصاية» وكأنها مرثية حزينة لأوضاع المرأة فى مجتمعنا لا من حيث قانون الوصاية على الأبناء فقط، ولكن من حيث عموم الثقافة التى تحكم نظرتنا للمرأة والتى تسممت على مدى عقود بفهم رجعى متخلف لنصوص الدين ولميراثنا الثقافى نحو المرأة بشكل عام.. فقد فشلت رحلة بطلة المسلسل نحو الحرية لا بفضل مطاردة عم أبنائها لها.. ولكن فى المقام الأول بسبب تعصب وجهل الصيادين فى الميناء الذى تعمل به.. وإقدامهم على إحراق المركب الذى غامرت بحياتها من أجله لمجرد الشبهة دون تثبت أو تحقق ولمجرد رفض مجموع الرجال لمبدأ أن تعمل امرأة فى مهنة لم يعتد المجتمع أن تعمل بها من قبل.. واعتقادهم أنها ما دامت تشارك الرجال فى السفر للبحر الذى تقتضيه ظروف العمل، فإنها تصبح متهمة فى شرفها لأنها بذلك تخالف ما يعتقد البعض أنه شروط الخلوة الشرعية! إن هذا هو الجذر الثقافى لمعاناة بطلة هذا المسلسل الذى يحتمل اسمه أن يفسر بأكثر من تفسير.. فربما كانت النساء فى مجتمعنا كله ما زلن «تحت الوصاية» سواء وصاية الرجال أو وصاية القوانين البالية أو وصاية المفاهيم الثقافية الرجعية والمتخلفة التى تشبه أكياس الرمل التى تثقل أقدام هذا المجتمع وتعوق تقدمه دائمًا نحو الأمام.. لقد أجهض المجتمع كله حلم هذه المرأة بالحرية والتحقق وكان عدد أعدائها أكثر بكثير من مجرد نص قانونى قديم أو أخو زوج شرير يفشل فى كل عمل يمتهنه ولا يرى حلًا لمشكلته سوى أن يسرق مال أبناء أخيه اليتامى.. لقد ناصب جميع الرجال فى المسلسل بطلته العداء منذ بداية الأحداث.. وإن كان بعضهم قد تراجع اقتناعًا بعدالة قضيتها أو تعاطفًا معها وليس اقتناعًا بأن من حقها أن ترعى أبناءها كما تريد وأن تعمل وتتحقق كما تريد.. إن صاحب المنزل الذى تسكن فيه يشك فيها ويطردها فى منتصف الليل قبل أن يغير موقفه منها.. والصياد الذى يعمل معها يتحرش بها ويظن أنها سهلة المنال لأنها تخرج للعمل.. وتاجر السمك الكبير يبالغ فى عدائها لأنها تجرأت على مناطحته وأقدمت على ما لا يُقدم عليه الرجال الذين يخضعون لاستغلاله، والجميع يحرقون لها حلمها لأنها تجرأت فخالفت العرف الذى استقروا عليه منذ مئات السنين.. إننا نرى فى هذا المسلسل مجموعة من الذكور السامين والغارقين فى التخلف والتجبر وللأسف فإننا نشعر بأن ما نراه طبيعى جدًا ويتكرر فى حياتنا كل يوم دون أن نشعر بحاجة للتوقف أمامه أو الاندهاش منه.. فى الوقت نفسه نرى مجموعة من النساء قويات الشخصية.. منهن شقيقة البطلة المقاتلة التى تميل لمواجهة الظلم على عكس زوجها المسالم لدرجة الخنوع رغم طيبة قلبه وانحيازه للبطلة.. ثم نرى هذه البطلة التى نجحت فى كل ما حاولت رغم المصاعب على عكس شقيق زوجها الذى يراه القانون أفضل منها رغم أنه فشل فى كل ما حاول واعترف لخطيبته بأنه أفسد كل شىء.. فى حين أن البطلة التى خاضت رحلتها دفاعًا عن أبنائها نجحت فى كل مهامها لولا أن المجتمع قرر إحراق حلمها المتمثل فى مركب الصيد الناجح وعقابها على تمردها بحبسها عامًا مع الشغل والنفاذ لأن القانون لا يعرف «حنان» ولكن يعرف النصوص والتشريعات القديمة التى لم تعد ملائمة لزمنها.. وبالتالى فإن ما نحتاج لتغييره بعد المسلسل ليست نصوص قانون الوصاية فقط.. ولكننا فى حاجة لتغيير نظرة الوصاية التى ينظرها المجتمع نحو المرأة وهى قضية أوسع بكثير جدًا من قانون الوصاية على القصّر.. وتبقى فى النهاية التحية واجبة لفريق عمل المسلسل ولبطلته النجمة منى زكى التى قطعت رحلة فكرية طويلة من فيلم «تيمور وشفيقة» ٢٠٠٧ والذى تنازلت فيه بطلته عن منصب الوزيرة إرضاء لزوجها.. وحتى مسلسل «تحت الوصاية» ٢٠٢٣ الذى جسد رحلة امرأة نحو الحرية ومعركتها من أجل أبنائها، ولا يمكن أن نغفل دور تغير المناخ الإنتاجى ودور الشركة المنتجة لـ«تحت الوصاية» فى تغيير المناخ الفنى وتشجيع صناع الأعمال على تقديم أعمال تسهم فى تقدم المجتمع للأمام ولا تجره للوراء، كما كان الحال فيما سبق من أزمان.. تحية للشركة المتحدة ولصناع المسلسل الذى دخل تاريخ الفن المصرى كواحد من أهم الأعمال الدرامية فى تاريخه وما زلنا ننتظر من صناعه المزيد فى قادم الأيام.