لن تحكم قبور الماضى.. مستقبلنا
تابعت باهتمام شديد المقالات الأخيرة للأستاذ حلمى النمنم، وآخرهم مقال "لا قداسة ولا إسفاف".. والذى جاء به سؤال أرسله له الناقد الأدبى إبراهيم عبدالعزيز، والذى يقول فيه: هل من المصلحة أن نشوه عظمائنا، مبعث فخرنا الوطنى، لصالح الحقيقة، أياً كانت، مع العلم أن التاريخ ليس به حقائق مؤكدة، وهو ما يشكك فى عظمتهم، ويصرف الأجيال عن الاقتداء بهم؟"
سوف أنطلق مما سبق من خلال بعض الأسئلة والملاحظات التى تحتاج للاجتهاد سواء فى الإجابة عليها أو تحليلها.
من صاحب المصلحة فى التشويه الذى أصاب تاريخنا؟ وما حقيقة أن تاريخنا مكتوب بتوجهات تصب فى صالح جماعة الإخوان المسلمين ولصالح السلطنة العثمانية لدرجة أن بعضهم أقام المجازر للمصريين، ورغم ذلك لا يزال يحمل أحد الشوارع اسمه؟ ولدرجة أن التاريخ العثمانى أصبح أهم من تاريخ مصر القديمة بعظمته وحضارته وفنه.
نتفق جميعاً أن الزعماء ليس لهم قداسة، ولكننا نتراجع فى أن نصرح أن رجال الدين أيضاً ليس لهم قداسة، ولكن لهم مكانة ومقام في المجتمع، رغم أن بعضهم تسبب فى أزمات دينية وفكرية وصحية وإنسانية. ورغم ذلك تم تعظيم بعضهم لدرجة تصل بهم إلى مصاف الأنبياء الذين لا يسألون ولا يمكن مراجعتهم أو حتى الاختلاف معهم. ومع ملاحظة أن بعضهم أساء لديننا الإسلامى بسماحته وعدله أكثر مما أساء بعض المستشرقين له.
يخضع كل من يعمل فى العمل العام سواء السياسيون أو رجال الدين إلى حكم التاريخ. والتاريخ لا يرحم ولا ينسى مهما مر الوقت وطال، ومهما حاول البعض إعادة كتابته بالإضافة أو الحذف أو التعديل، سيظهر التاريخ حقيقته لاحقاً مهما حاول البعض تحريف صياغته لهدف مخفى.
حاولوا تشويه الملك فاروق، وبعد أكثر من 50 سنة على رحيله، يجد الملك فاروق حالياً حنيناً غير طبيعياً سواء على السوشيال ميديا أو من خلال متابعة أخبار عائلته. وبالتبعية تم تشويه مرحلة عبد الناصر ثم السادات ثم مبارك، ولم يتم تقييم وطنى حقيقى بما لهم وما عليهم لكل تلك المراحل التى شكلت التركيبة السياسية والفكرية للشعب المصرى الآن.
لا يجوز أن نحكم على الأحداث التاريخية التى مر عليها سنوات طويلة بمعايير اليوم، لأنه من غير المنطقى أن نحكم بمعايير زماننا على سياق سياسى وثقافى واجتماعى لا نعرفه ولم نتفاعل معه ولم نحيا فى زمانه.
أثبت التاريخ أن هناك سياقا للأحداث، وهى تخضع لمعايير القوة والضعف، أو الصواب والخطأ طبقاً للأسباب والأزمات وضرورات تلك المرحلة. ولا يمكن أن نفسرها ونحللها حسب سياق عصرنا بتطور المفاهيم والعلاقات، واختلاف الأسباب..
نقطة ومن أول الصبر..
السياسى إنسان، ورجل الدين إنسان.
لكل إنسان مواقفه وقراراته وردود أفعاله التى يسجلها التاريخ.
التاريخ يكتب بأكثر من قلم!
قلم يقرر، وقلم يحلل، وقلم مأجور، وقلم أسير.
ولكن سيظل القلم الذى ينير ويحرر هو الحقيقة.