الكتيبة ١٠١
استمتعت على مدى الأيام الماضية بمشاهدة مسلسل «الكتيبة ١٠١» الذى يجسد آخر حلقة من حلقات المواجهة بين الوطنية المصرية وبين الإرهاب المتخفى وراء الدين.. ومن وجهة نظرى الخاصة، فإن هذه المواجهة بدأت منذ قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ التى أجتهد فى فهمها فأقول إنها كانت ضد الملك العاجز والاحتلال وضد جماعة الإخوان الإرهابية أيضًا.. التى كانت قد أحدثت حالة كبيرة من الفوضى فى مصر طوال السبع سنوات السابقة على قيام الثورة.. وإن ما قاد إلى هذه المواجهة وجعلها حتمية هو معرفة الضباط الأحرار بأسرار الجماعة الإرهابية وتأكدهم أن رفعها راية النضال ضد الاحتلال لم يكن إلا ستارًا تتخفى وراءه لإرهاب المصريين باسم الدين.. استمرت هذه المواجهة بين الجيش المصرى ممثلًا للشعب وبين الإرهابيين ممثلين فى الإخوان وإن هدأت حينًا وتخفت حينًا وظهرت على غير طبيعتها حينًا.. وكان آخر حلقات المواجهة هى ثورة الثلاثين من يونيو التى انحاز فيها الجيش لإرادة الشعب وتصدى لإرهاب الجماعة للناس وتخويفها لهم.. ولا يعنى هذا أبدًا أن المواجهة لم تشارك فيها قوى سياسية وشعبية متنوعة ومثقفون يساريون وليبراليون ومستقلون ورجال دين أيضًا.. ولكن كل هذه الأصوات الشجاعة لم تكن تستند لقوى فعلية على الأرض توازن قوة الجماعة الإرهابية وتردعها وقت اللزوم.. وبالتالى لم يكن هناك مناص من تدخل الجيش المصرى لحماية الدولة والشعب الذى أدرك كم الخطر الذى تمثله الجماعة الإرهابية على بقاء الدولة المصرية متماسكة ومستقرة.. أحداث «الكتيبة ١٠١» التى تدور فى عام ٢٠١٥ تسجل معركة مهمة فى هذه المواجهة.. أصيب فيها الإرهابيون بالجنون بعد أن تحولت ٣٠ يونيو من ثورة إلى دولة.. وبدأت مصر فى رحلة الاستقرار والبناء.. فكانت خطة تحويل سيناء إلى بؤرة إرهابية استنادًا إلى واقع أمنى متردٍ بدأ منذ بداية الألفية، وإلى طبيعة الاتفاقات الأمنية فى سيناء التى كانت تمنع تواجد قوات كثيفة من الجيش المصرى.. وهو ما أدى لاستفحال الإرهاب قبل أن تتخذ الدولة إجراءاتها وتدخل قواتها كاملة إلى سيناء.. وحسبما تشرح لنا الحلقات، فإن الكتيبة ١٠١ كانت بمثابة جيش مصغر به وحدات من الصاعقة والمشاة والمدفعية وكل الأسلحة، فضلًا عن عقل أمنى يتمثل فى ممثلى المخابرات الحربية والعامة والأمن الوطنى الذين يحاصرون الإرهاب معلوماتيًا ويضعون الخطط التى يتحرك الرجال للتنفيذ على أساسها.. ويمكن القول إن مهمة رجال الجيش المصرى فى سيناء كانت مهمة استشهادية بالأساس، فدورهم هو التواجد فى كمائن مفتوحة على الطرق لإخافة الإرهاب وبسط سيادة القانون.. وهى مهمة لا غنى عنها.. لكنها مليئة بالمخاطر.. فالرجال يقفون وسط الصحراء المفتوحة على المجهول.. ولا يتحصنون فى قلاع مشيدة.. ولكن بتجهيزات تناسب طبيعة عمل الكمين.. ومع ذلك فهم يقدمون على عملهم بحماس وشجاعة مهما تكرر الهجوم وكأنهم يرددون بداخلهم عبارة «إحنا كتير».. أو كأنهم يغنون مع الشاعر إبراهيم رضوان قصيدته «إن كان فى أرضك مات شهيد فى ألف غيره بيتولد».. يسجل «الكتيبة ١٠١» تفاصيل حرب كاملة لم نعرف عنها الكثير.. ففى أعوام المواجهة مع الإرهاب كانت حياتنا مستمرة ولم نكن ندرك أن حربًا بطولية تدور على أرض سيناء التى كانت دائمًا أرض المواجهات والبطولات.. وأذكر أن إعلاميًا هاربًا يعيش فى أحضان الولايات المتحدة الأمريكية حاول مرة أن يقلل من قوة الإرهاب الذى واجهه جيشنا فى سيناء واصفًا الإرهابيين بأنهم «صيع يرتدون شباشب»!! وقد قلت لنفسى وقتها إنه إما جاهل أو عميل أو كلاهما معًا.. إن طبيعة تنظيم داعش الإرهابى ما زالت لغزًا للكثيرين.. فقد انضم للتنظيم فى بدايته ضباط محترفون على أعلى مستوى من التدريب والمهارة.. وحظى بتمويل لم تحظ به جيوش دول كاملة.. وقدمت له مساعدات لأسباب تخص من قدموا هذه المساعدات.. وبدأ بعض المثيرين للريبة ممن يرتدون بدلًا غربية ويرفعون واجهات مدنية فى الحديث عن إمكانية قبول داعش أو «دولة العراق والشام» كدولة عضو فى الأمم المتحدة! وكتب أحدهم فى ٢٠١٤ أن التنظيم يسيطر على مساحة أكبر من مساحة بريطانيا!! والمعنى أن الجيش المصرى لم يكن يواجه تنظيمًا ولكن منتخبًا للإرهاب من عدة دول وعدة ممولين وعدة مخططين.. ولكن الله كتب له النصر بإرادته أولًا وبشجاعة جيشه ثانيًا وبثقة شعبه ثالثًا.. امتلأ المسلسل بعشرات الزوايا المؤثرة.. كان أهمها بالنسبة لى قصص استشهاد الجنود البواسل من أبناء مصر وحراسها والتى احتلت مساحة كبيرة من الأحداث.. وكان منها أيضًا المشاهد التى تجسد قسم الجنود والضباط قبل الخروج للمعارك.. حيث لا يمنع التدين الضابط المصرى المسلم والمسيحى من الإيمان بالوطن كعقيدة راسخة يقربه الإيمان به من الله.. وهذا هو الفارق بينهم وبين الإرهابيين الذين لا يؤمنون بالوطن من الأساس ومن ثم يسعون لإسقاطه ومحو حدوده وتذويب هويته ومحو ملامح شعبه.. تحية كبيرة لمسلسل «الكتيبة ١٠١» الذى يستحق مثل غيره من مسلسلات رمضان أن يعرض مرة أخرى بعد عيد الفطر مباشرة كى نشاهده مرة أخرى «على رواق» كما يقول اللبنانيون، ونسترجع معًا سيرة ما جرى فى سيناء وما جرى كبير وعظيم وإن كان بعضهم لا يفقهون.