البطريرك بيتسابالا يتحدث عن قيمة الحب في احتفالات الكنيسة اللاتينية بعيد القيامة
ترأس البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، احتفالات عيد القيامة أمام "القبر الفارغ" في كنيسة القيامة بمدينة القدس، بمشاركة لفيف من الأساقفة والكهنة والرهبات والراهبات والأقباط.
وألقى بطريرك القدس للاتين خلال الاحتفال عظة، قال خلالها: "على خطى النسوة في الإنجيل، والتلميذين بطرس ويوحنا، نعود هنا، أمام القبر الفارغ، لنصلّي، ونتأمل، ونجدّد إيماننا بالمسيح القائم".
وتحدث البطريرك بيتسابالا في عظته عن علاقة التلاميذ مع السيد المسيح الحية بالرغم من موته ودفنه. وتسأل ما الذي أبقى علاقتهم مع يسوع حية بالرغم من موته ودفنه؟ ما الذي منعهم من العودة نهائيا إلى حياتهم السابقة؟ ما الشيء الذي جعلهم يتخطّون حاجز الموت الذي لم يكن ممكنا اجتيازه على أثر غياب يسوع؟
وأجاب البطريرك: “الحبّ وحده يملك هذه القوة. أحبّ التلاميذ يسوع وهذا الحبّ لم ينته بموته. لم يخنقه الألم أو الإحباط. كان لا يزال قائما. كان بحاجة فقط إلى طريقة جديدة للتعبير عن نفسه، لدافع جديد. ستكون كلمة يسوع، مرة أخرى، هي التي ستسمح لمحبة التلاميذ بفهم الحقيقة في إطارها الصحيح”.
وأضاف: أن للحب قوة خلاقة. إنه الحصن الوحيد القادر على التصدي للخوف والموت وشوكته، وعلى إعطاء الحياة. عيد الفصح، حتى قبل أن يكون القرار الحاسم بتغليب الحياة على الموت، الذي أصدره الله على العالم، هو إعلان عن حبّ يخلّص ويغفر، ويخلق في قلوبنا القاحلة والمرهَقة، حياة جديدة لا تعرف الموت. لكننا لا نتحدث هنا عن محبة بشرية محضة، بل عن محبة الله. إن تلك المحبة التي أقامت يسوع بقوة الروح، وهي نفسها التي انسكبت أيضًا في قلوبنا، من خلال الروح القدس الذي أُعطي لن، لا تزال تعمل فينا وفي العالم".
وأستطرد: نحن نعيش في فترة تتسم بالعنف والموت وانعدام الثقة، وهي ظاهرة وواضحة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية في بلادنا. إن العنف ضد أماكننا ورموزنا المسيحية هو أحد النماذج عن العنف الأكثر انتشارًا الذي يميز عصرنا، والمنتشر في كل مكان. وبدلاً من محاولة بناء العلاقات والتخطيط معا للنمو والتنمية، وبدلاً من الاعتراف بأنفسنا كجزء من مجتمع واحد، يسعى البعض إلى التحريض على الإقصاء والرفض.
ولفت، يبدو أن السياسة، بدلاً من بذل جهد للبحث عن طرق للوحدة والخير العام، تريد أن تغرقنا في دوامة انقسامات متزايدة، في كل شيء: بين الإسرائيليين من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى، ولكن أيضًا بين الإسرائيليين أنفسهم والفلسطينيين أنفسهم.
وأشار إلى أنه، حتى على المستوى الديني، يبدو أن الشك والأفكار النمطية والأحكام المسبقة لها الصوت الأقوى في عالمنا اليوم. باختصار، يمكننا القول إننا لا نعرف حقًا كيف نحبّ بعضنا بعضا. ولهذا السبب بالذات نحن نعيش في وقت مرهِق لأسباب عديدة.
وأضاف، ربما في قلوبنا نفس مشاعر الحيرة التي شعرت بها النسوة والتلاميذ. هنا في الأرض المقدسة، وفي أماكن أخرى من العالم، يبدو أن الواقع الذي نعيش فيه هو واقع الموت والفشل. كل شيء يقودنا إلى الاعتقاد بأنه لا يمكن أن يكون هناك مستقبل غير التوترات المأساوية، وأن الحديث عن الأمل يشبه القبض على الماء، وربما لا نعرف أيضًا ما الذي نريده.
وأستكمل، هذا هو السبب في أننا ما زلنا نأتي اليوم إلى هنا، إلى قبر المسيح. نحتاج أن نستمع مرة أخرى لتلك الكلمة التي توقظ في قلوبنا تلك المحبة التي ولدتنا للحياة والإيمان. على مثال التلميذين بطرس ويوحنا، نحتاج إلى إحياء شعلة الحبّ الذي يدفعنا نحو القبر، وأن نتحلى بالشجاعة لترميم خيوط العلاقات المقطوعة، وشفاء الصداقات المجروحة، ومنح الثقة على الرغم من الخيانة، واختبار قوة الغفران الشافية، وخلق مساحات من الجمال والصفاء، ومعافاة قلوبنا من مشاعر الكراهية والحقد، وإحياء الثقة، والأمل والحماس.
وأستطرد البطريرك بيتسابالا، إن أعظم فقر اليوم لا يأتي من نقص المال وغياب النجاح، بل من نقص الحبّ، الحب المبني على العطاء والقبول. ليس لدى الإنسان اليوم ما يؤمن به، وما يرجوه ويستحق أن يعطي حياته من أجله، لأنه ليس لديه الحبّ النابع من فيض القلب. أنت لا تثق بجارك، ولا تعرف كيف تسامحه، لأنك لم تختبر المغفرة من قبل.
وأضاف، لكن مع فصح المسيح، اكتسب العالم بُعدًا جديدًا وصل إليه أولئك الذين يضحّون بأرواحهم من أجل من يحبّون، والذين لا يخشون الشِدَّة والضِيق والاضْطِهاد والجوع والعري والخطر والسيف ولا حتى الموت.
واختتم البطريرك بيتسابالا نجدّد اليوم، مرة أخرى، هنا أمام القبر الفارغ، لأنفسنا ومن أجل كنيستنا جمعاء، الرغبة في الرهان على محبة يسوع، وفي عدم الخوف من الموت وقيوده. ونجدّد العزم على أن نبني هنا في الأرض المقدسة وفي العالم ثقافة الحياة، والحب والمغفرة والأمل.