تحت الوصاية
رغم أننى لم أشاهد سوى حلقتين اثنتين من مسلسل «تحت الوصاية» الذى بدأ بثه منذ ثلاثة أيام وتلعب بطولته النجمة الكبيرة منى زكى ويخرجه محمد شاكر خضير إلا أننى أجد نفسى متحمسًا للحديث عن هذا المسلسل الذى لفت أنظار كثيرين منذ حلقته الأولى.. التى احتوت على ما يمكن وصفه ببراعة الاستهلال، وهى تعنى ببساطة كيف يقدم المخرج حلقة أولى جاذبة للمشاهد تدخله إلى موضوع المسلسل ببراعة وتعده بأنه على وعد بمشاهدة ممتعة وقضية عامة وحبكة مثيرة.. وأظن أن كل هذه الشروط قد تحققت فى الحلقة الأولى من «تحت الوصاية» وأحس بها المشاهدون فتسابقوا للترحيب بالمسلسل والإشادة بحلقاته الأولى الواعدة.. ولعل هذا الاستقبال يأخذنا إلى قضية أخرى هى كيف نطرح قضايانا الاجتماعية فى الدراما؟ أو بمسمى آخر يأخذنا لمناقشة قضية المباشرة فى الفن؟ ومن حيث المبدأ فإن المباشرة فى الفن تفسده.. والفن بطبيعته ضد المباشرة.. أما طرح القضايا بطرق مباشرة فله ميادين أخرى مثل الخطابة أو كتابة المقالات حول قضية معينة أو إجراء حوار صحفى مع المسئول عن قضية معينة مثل حقوق المرأة مثلًا.. يطرح «تحت الوصاية» هذه القضية لأنه يدور حول قضية ميراث المرأة وأطفالها فى حالة وفاة الزوج وسطوة الجد والأعمام على أمواله وهى قضية من قضايا المرأة بامتياز وتعالج عيبًا اجتماعيًا وثقافيًا فى مجتمعنا.. لكنها تعالجه بعبقرية الفن.. من خلال بناء درامى مثير وممتع.. نرى فيه رحلة هروب امرأة بطفليها حفاظًا على ميراثهما من الضياع.. وهو فى هذه الحالة مركب صيد تجد نفسها مضطرة لتشغيله بنفسها وسط ظروف بالغة الصعوبة.. وكما هو واضح فسيتوحد المشاهد مع هذه السيدة طوال حلقات المسلسل تعاطفًا مع طفليها وحقهما فى ميراث أبيهما وهو ما يخلق متعة المشاهدة ونجاح المسلسل.. وفى نفس السياق لا بد من أن نتذكر أن نفس الشركة المنتجة أنتجت قبل عامين مسلسلًا لنفس النجمة الكبيرة منى زكى هو «لعبة نيوتن» ناقشت من خلاله ببراعة كبيرة قضية «الطلاق الشفهى» وأضراره بشكل غير مباشر ومن خلال قصة محبوكة ومثيرة تدور أحداثها بين مصر وبين الولايات المتحدة الأمريكية.. والمسلسلان تأكيد على أن قضايا المرأة وغيرها يجب أن تذوب داخل نسيج درامى ممتع يجذب المشاهد لاستكمال الحلقات والتوحد مع أبطالها وبالتالى تصله رسالة العمل الفنى بكاملها وهو مستمتع وراض وموافق.. ولا شك أن الاستقبال الرائع لهذا المسلسل يقودنا لقضية أخرى هى أن المسلسلات ليست ساحة لطرح الأفكار الكبرى.. ولو كان الأمر كذلك لترك طه حسين والعقاد مثلًا مجالات تأثيرهما وتحولا إلى كاتبى سيناريو فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون. بل إن أديب مصر العظيم نجيب محفوظ الذى كان كاتب سيناريو محترفًا فى فترة من فترات حياته لم يضع أبدًا أفكار رواياته فى شكل سيناريو.. بل كان يكتب السيناريو وفق رؤية المخرج الذى يعمل معه ويحتفظ بأفكاره الخاصة كى يبدعها فى شكل روايات وقصص وهذا من حسن حظ الرواية المصرية والعربية بكل تأكيد.
والمعنى أن القضايا الفكرية لا تطرح فى الأعمال الفنية مباشرة، ولكن من خلال صنعة الكتابة والإخراج وكلما كانت صنعة الكتابة ممتعة للمشاهد ربحت القضية التى يطرحها العمل.
ومن حسن الحظ أن مائدة الدراما الرمضانية دائمًا ما تكون متنوعة الأطباق بشكل يجعل كل مشاهد يختار ما يناسبه، ومن حسن الحظ أن لدينا هذا الموسم عدة مسلسلات حققت نسب مشاهدة عالية لم تتحقق فى سنوات طويلة منها بكل تأكيد مسلسل «تحت الوصاية» الذى بدأنا المقال بالحديث عنه كنموذج لضرورة عدم المباشرة فى الفن ولمسئولية المخرج عن العمل الدرامى كطريق للنجاح وفقًا لقاعدة مخرج كبير يساوى مسلسلًا كبيرًا وهى قاعدة سحرية لشركات الإنتاج تكفل لها النجاح الدائم والمستمر.. تحية للشركة المتحدة على مسلسل «تحت الوصاية» وما زال للحديث بقية بإذن الله.