حسين رياض.. أبو السينما
فنان من طراز خاص اشتهر بأداء أدوار الأب والجد ، لقب بـ"أبوالسينما".
بدأ حياته كممثل مسرحي كان يطمح أن يكون مطربًا لولا تعرضه لمرض خضع على إثره لجراحة، أثرت على أحباله الصوتية، ليتخلى عن حلمه كمطرب مؤقتًا .. حتى جاءته الفرصة وقدم أغنيته الشهيرة للأطفال "جدو يا جدو" ..
إنه الفنان المصري القدير حسين رياض، من أشهر أفلامه، رد قلبي، والناصر صلاح الدين، وفي بيتنا رجل.. وغيرهم.
البداية:
حسين رياض فنان مصري ومسلم الديانة مواليد برج الجدي، ولد في 13 يناير 1897، والده مصري الجنسية والدته سورية، من أسرة ميسورة الحال، عمل والده بتجارة الجلود، شارك في أكثر من 320 فيلمًا بخلاف مشاركاته في الأعمال المسرحية والدرامية .. ولد في حي السيدة زينب بالقاهرة استمر عطاءه الفني لسنوات تكاد تقارب الـ46 عامًا.
بدأ عمله على خشبة المسرح، بعد أن لجأ لتغيير اسمه، هرًبا من أسرته التي رفضت عمله "كمشخصاتي" كما كان يطلق على كل من يمتهن مهنة التمثيل وقتها.. أراد والده أن يكون ضابطًا .. التحق بالكلية الحربية، لكنه تخلى عنها من أجل التمثيل وسط رفض تام من العائلة.
خطوات واثقة رغم الصعوبات:
كعادة كل المبدعين لم يكن طريقه للنجومية ممهدًا ولا مفروشًا بالورود، بل شأنه شأن العديد ممن اختار أن يسبح ضد التيار وأن يسير خلف حلمه وخلف ما يحب..
بدأت ولعه بالفن عندما رافق والده وأخاه في زيارة لمسرح سلامة حجازي، حاول الغناء أسوة بسلامة حجازي ولم يفلح!
انضم حسين رياض في مطلع شبابه لفرقة عبدالرحمن رشدي المسرحية، وفي سن مبكرة جدًا جسد أدوار الأب وأداه ببراعة.
بعد أن ترك الكلية الحربية كون فريق هواة التمثيل المسرحي يوسف وهبي وأحمد علام وعباس فارس وحسن فايق وغيرهم، وكان معلمهم للتمثيل في هذه المسرحية هو إسماعيل وهبي شقيق عملاق التمثيل يوسف بك وهبي، ثم عبدالحميد حمدي .. ليحسم أمره ويتخذ قراره الذي كان سببًا في إسعاد الملايين إلى يومنا هذا. فقد قرر حسين رياض أن يهب حياته للفن نزولًا على نصيحة عزيز عيد.
البداية من هنا:
عرف فنيًا باسم حسين رياض وهو الاسم الذي لازمه لبقية حياته، فلم يعرف البعض أنه شقيق الممثل فؤاد شفيق الذي اتجه أيضًا للتمثيل بعد ذلك.
افتتح يوسف وهبي مسرح رمسيس في أوائل عام ١٩٢٣، انضم لفرقة رمسيس، ليواصل تألقه وربطت بينه وبين يوسف وهبي صداقة وطيدة امتدت لعدة سنوات.
عمل مع عدة فرق مسرحية، عمل مع فرقة فاطمة رشدي والريحاني ومنيرة المهدية وعلي الكسار وعكاشة واتحاد الممثلين عام ١٩٣٤.
جاء دخوله السينما المصرية التي احتضنته فيما بعد كواحد من أفضل من جاءوا في تاريخها، منذ أن كانت السينما صامتة مثل أفلام "صاحب السعادة كشكش بك" عام ١٩٣١، قدم في بدايات السينما الناطقة أفلامًاً منها "الدفاع" و"سلامة في خير" و"لاشين"، وتوالت بعد ذلك أعماله السينمائية المتنوعة ولم تتوقف مشاركاته.
اتجه إلى السينما بقوة عندما بدأت التربع على عرش الفن وذلك من خلال فيلم ليلى بنت الصحراء عام 1937.
أجاد تمثيل العديد من الأدوار التي أسندت إليه فاستحق عن جدارة أن يكون بطلًا وليس سنيدًا فقط ..
أدواره الجادة تشهد على ذلك، حيث علقت بذهن المتفرج إلى يومنا هذا .. ربما عرفه البعض بالأدوار الطيبة ولا يدرون أنه جسد بعض أدوار الشر خلال مشواره السينمائي الزاخر. كذلك أدى أدوار الغني والفقير وكذلك الأدوار الكوميدية والتراجيدية.
قالوا عنه:
قال يوسف بك وهبي في لقاء تليفزيوني "إن حسين رياض قادر على تجسيد أي دور.. ويمكنك أن تسند له أي دور وأنت مغمض العينين".
كما أكد الناقد السينمائي محمود قاسم أن حسين رياض أشهر من أجاد أدوار الشر بدرجات متفاوتة رغم صيته وشهرته بأداء الأدوار المحببة للجمهور.. مستعرضًا نماذج لأدوار الشر من خلال كتابه أشرار السينما الوجه والقناع.
الشرير السلطوي:
بالتركيز على أدوار الشر التي قام بها الفنان حسين رياض كأحد أبطال السينما المصرية الذين برزوا كممثل ثانٍ أو سنيد باللغة أهل الفن، من خلال أفلامه المختلفة، وتسليط الضوء على الاختلافات التي ميزت هذه الشخصية لديه عن أدوار الشر الأخرى التي قدمها فنانون آخرون.
يرى البعض أنه: "يعتمد على قدراته في المقام الأول على مهارته كممثل وذكائه ثانيًا، حيث لم يشأ أن يحبس نفسه في قالب واحد، ساعده على ذلك تكوينه الجسماني وملامح وجهه المرنة التي دخل من خلالها إلى كل شخصية واستطاع أن يقنعنا أنه الأب الحنون في عشرات الأفلام والشرير في أفلام أخرى".
أشهر من قدم أدوار الشر من عمالقة الفن: محمود المليجي وزكي رستم وغيرهما قاموا بأدوار تجار المخدرات أو رؤساء عصابات أو قتلة، أما شخصيات الشر التي لعبها حسين رياض على حد وصف الناقد محمود قاسم، كانت في أغلب الأحيان ترتبط بالشر "أرستقراطي الارتكاب والنزعة"، ويرتبط برجل من علية القوم يبحث عن نزواته وهو شر مرتبط بالديكتاتورية في المقام الأول أو المناصب السياسية.
وكانت بداية حسين رياض في السينما بأدوار مثل هذه، أولى الشخصيات التي لعبها عام 1938 في فيلم "لاشين"، وقدم فيه شخصية السلطان وهو رجل عجوز يعشق النساء يحتفظ في قصره بعشرات البنات كل ما يهمه الحصول على المزيد من النساء، تاركًا شعبه يعاني من الجوع والفقر. وتم إيقاف عرض هذا الفيلم لاعتباره مسيئًا لملك مصر. الفيلم من بطولة حسين عزت ونادية ناجى، وإخراج فيريتز كرامب.
قدم دورًا مشابهًا مرة أخرى في نهاية حياته عام 1965، في فيلم المماليك للمخرج عاطف سالم، حيث لعب دور الأمير شركس وهو رجل قوي، يفرض الضرائب على الناس وعاشق للنساء.
بطل أدوار مثلث الدراما:
يعد فيلمه "أسرار الناس" 1951 من الأفلام التي قام ببطولتها، وقدم شخصية "التاجر النزيه" الذي يعطف على قريب له "فريد شوقي" بعد خروجه من السجن ويستضيفه في بيته، ويلحقه بالعمل في "المخبز" الذي يملكه، ولكن هذا القريب يستحل لنفسه ما حرمه الله، فبدلًا عن احترام الرجل الذي استضافه في بيته وأكرمه، قام بوضع "المخدرات" في أجولة "الدقيق"، وأرسل خطابًا إلى مأمور القسم، وتم ضبط الرجل الطيب وسجنه بتهمة حيازة وتجارة المخدرات، ولم يتوقف به الأمر عند هذا الحد، بل أغرى زوجة الرجل، وسلك معها طريق الانحراف، ودمر بيت الرجل الذي آواه وأكرمه، ومن يشاهد فيلم "أسرار الناس"، سوف يلمح "المثلث" الدرامي الذي قام عليه "السيناريو"، وهو مثلث "زوج مخدوع وزوجة خائنة وعشيق بلا ضمير"، ونجح "حسين رياض" في تقديم شخصية "التاجر النزيه" ـ الزوج المخدوع ـ ونجحت "زوزو نبيل" فى شخصية "الزوجة الخائنة"، ونجح فريد شوقي في رسم شخصية "العشيق"، وهذا "المثلث الدرامي" ليس جديدًا على السينما المصرية، و"حسين رياض" قدم هذه الشخصية بصيغة مختلفة في فيلم آخر هو "نساء محرمات" 1959، وكانت الزوجة هي "هدى سلطان"، والعشيق "صلاح ذوالفقار"، ويبدو أن ظهور هذا المثلث في السينما كان ناتجًا عن واقع اجتماعي، مما يرسخ قيمة الأدوار التي كان يحسن انتقاءها لخدمة المجتمع، مؤكدًا أن الفن رسالة سامية وظيفتها تسليط الضوء على عيوب البشر والمشكلات الاجتماعية وكيفية التصدي لها بحكمة وبتوازن.
حرفية وانتقاء الدور:
فيلم "الله معنا" وتقوم أحداثه بعد هزيمة 1948، وقدم حسين رياض خلال أحداث الفيلم شخصية رجل السرايا التي يحاول أن يسيطر على كل أطراف الصراع السياسي من معارضة ومقاومة، عرض الفيلم عام 1955، بطولة فاتن حمامة وعماد حمدي وماجدة ومحمود المليجى، وإخراج أحمد بدرخان.
صنف دوره في هذا الفيلم "بأنه شر من نوع خاص صاحبه يحيك المؤامرات ويقف ضد قوى التحرر".
ومن الأدوار التي لم تجسد الشر بمعناه القاسي، شخصية زوج متسلط، وأب لا يعرف معنى الرحمة، في فيلم "أنا حرة" عام 1959،. الفيلم بطولة لبنى عبدالعزيز وشكري سرحان وزوزو نبيل، وإخراج صلاح أبوسيف عرض لأول مرة عام 1959.
تجسدت أدوار شر أخرى بالنسبة لحسين رياض في أنه الرجل الذي تجاوز الخمسين، يسعى لإشباع نزواته، مع بنات الليل، وقد قدم هذه التيمة الفنية في أكثر من عمل منها "حياة غانية"، صدر الفيلم عام 1957، من بطولة برلنتي عبدالحميد وكمال الشناوي ومحمود المليجي، وإخراج حسام الدين مصطفى، "قاطع طريق" لحسن الصيفي، "لا تذكريني" لمحمود ذوالفقار، و"شفيقة القبطية" لحسن الإمام.
فيلم "صراع في الميناء" الذي عرض عام 1957، ولعب "رياض" دور صاحب شركة للنقل البحري ويحاول استغلال العمال ويختلق المشاكل معهم، وفى نفس الوقت يشجع ابنه على الاستهتار والتهور، الفيلم بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف وأحمد رمزي، وإخراج يوسف شاهين.
محطات لا تنسى:
أشهر أدواره العالقة بالذاكرة هي أدواره في هذه الأفلام برفقة نجوم الصف الأول ليتقاسم معهم دور البطولة عن جدارة..
(سلامة في خير 1937 مع نجيب الريحاني، أمير الانتقام 1950 والأسطى حسن 1952 مع فريد شوقي، فيلم مصطفى كامل 1952، بلال مؤذن الرسول 1953، وموعد مع الحياة 1953، ورد قلبي 1956، وشارع الحب 1958 مع عبدالحليم حافظ والفنانة صباح، السبع بنات 1961، وفي بيتنا رجل 1961، وإسلاماه 1961، آه من حواء مع الفنانة لبنى عبدالعزيز ورشدي أباظة 1962، الناصر صلاح الدين 1963).
أشهر المشاهد التي ما زالت عالقة بالأذهان إلى يومنا هذا هو دوره في فيلم واسلاماه وبحثه عن جهاد من خلال جملته الشهيرة "أنتي فين يا جهاد".
كواليس فنية:
السبب الوحيد لنجاح حسين رياض في جميع الأدوار التي جسدها هو اختياره الدقيق لكل ما يؤديه، بعكس الكثير ممن يلاحقون الشهرة في الوسط الفني بزيادة رصيد أدوارهم، فمن منا لا يذكر دور رئيس التحرير في فيلم "يوم من عمري"، لكي يعرف القليل عن هذا الدور وحسب اقتراح المخرج عاطف سالم أن يقضى حسين رياض يومًا كاملًا وسط غرفة الأخبار في مكتب علي أمين بـ جريدة الأخبار ليراقب عن كثب تعامل رئيس التحرير مع محرري الجريدة، كما تابع ردود أفعال على أمين العصبية كرئيس تحرير، شعر أن هذا الدور لا يلائمه، لن يستطيع أداءه بكفاءة أو سيخرج بصورة مرضية، لذا اعتذر عنه، مرشحًا صديقه محمود المليج وتم بالفعل اختيار المليجي بدلًا منه.
تقمص حد المرض:
عُرف حسين رياض بإتقانه الشديد لأدواره، يتقمص حالة الشخصية لأقصى حد، فيتأثر تمامًا بها، حتى بعد أن تنطفئ الكاميرات ويعلن المخرج عن انتهاء التصوير.
تقول ابنته فاطمة إنه أثناء تصوير "الأسطى حسن"، مع الفنان فريد شوقي والفنانة زوزو ماضي، كان يؤدي فيه دور رجل قعيد على كرسي متحرك، عاد إلى المنزل بعد انتهاء التصوير، وفوجئت الأسرة بفقدانه للحركة بالفعل، وبقي هكذا لفترة إلى أن جاء طبيب العائلة وأعاده للحركة.
تعرض للعديد من المواقف المحرجة بسبب الاندماج وتقمص الشخصيات لعل أبرزها ما ورد في عدد نادر ذكرته مجلة الكواكب صدر عام 1945، حيث كاد أحد الممثلين الناشئين أن يفقد حياته بسبب اندماج الفنان الكبير حسين رياض.
هجم رياض على هذا الممثل الشاب وضربه ضربًا مبرحًا.
أوسعه ضربًا حقيقيًا، فلم يتحمل الممثل الشاب شدة الضرب وأغمى عليه، وأسدل الستار واستدعى فريق العمل الإسعاف لإنقاذ الشاب، وبعدما أفاق اعتذر له الفنان حسين رياض بشدة، مؤكدًا أن ما حدث كان خارجًا عن إرادته، لاندماجه الشديد في تقمص الشخصية!!
الإذاعة في حياته:
ومن السينما إلى الإذاعة، صنع الفنان حسين رياض فنًا متقنًا بصوته المميز، فشارك في العديد من المسلسلات الإذاعية والمسرحيات الغنائية، منها "أوديب" الخالدة لـ"سوفوكليس"، والتي شارك فيها مع العديد من النجوم منهم دولت أبيض، ومنسي فهمي، وأحمد علام، وفؤاد شفيق، شقيقه الذي لم يعرف الكثير عن كونهم إخوة، بسبب تغيير حسين رياض لاسمه الحقيقي.
ومن المسرحيات الغنائية قدم "العشرة الطيبة" من ألحان العظيم سيد درويش، والأوبريت الغنائي "شهرزاد" من تأليف بيرم التونسي وألحان سيد درويش.
ما لا نعرفه عنه:
تميز الفنان القدير حسين رياض بالطيبة والكرم الزائد واحترامه لتقاليد وعادات مجتمعنا الشرقي، وكان ديمقراطيًا مع عائلته، وترك لكل من أبنائه حرية اختيار الطريق الذي يسلكه في دراسته وحياته، كان يحرص على عقد صالون ثقافي أدبي شعري بالمنزل، كان يحضره الشاعر إبراهيم ناجى وإمام الصفتاوي والموسيقار عبده صالح والفنانة زوزو حمدي الحكيم والفنانة زينب.
الوفاة:
توفي أثناء تصوير فيلمه الأخير (ليلة الزفاف) إثر أزمة قلبية. مما اضطر المخرج إلى حذف مشاهده من الفيلم وتقديم شكر للحاضر الغائب حسين رياض..
بدأت حالته الصحية في التدهور بعد إصابته بالذبحة الصدرية أثناء استضافة الإعلامية ليلى رستم له في أحد برامجها، المذاع على الهواء بالتليفزيون، طلب منه الطبيب المعالج الراحة التامة بالفراش، لكنه كان يردد "الموت أهون من الرقاد" و"أمنية الفنان أن يموت على المسرح".
نزل إلى المسرح بعد وقت قصير من وعكته الصحية، لاستكمال البروفات، وقال كل من شاهده إنه كان يتحرك على المسرح بحيوية كرجل في العشرين من عمره، وبعدها بستة أيام سقط على خشبة المسرح فاقدًا للوعي، عاودته الذبحة حسبما تقول ابنته، ليرحل عن دنيانا في 17 يوليو 1965.
تكريم مستحق:
كرمه الرئيس الراحل (جمال عبدالناصر) عام 1962 بمنحه وسام العلوم الفنون من الطبقة الأولى في احتفال عيد العلم. كما حصل في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي السادس عشر على درع الريادة تكريمًا له في ذكرى ميلاده المائة تسلمته ابنته فاطمة حسين رياض.
حصل على العديد من شهادات التقدير من وزارة الثقافة والإرشاد القومي عن أفلام "موعد مع الحياة" و "حياة أو موت" و"رد قلبي" و"الملاك الصغير".
وبعد وفاته أطلق اسمه على أحد شوارع النزهة الجديدة وكرمته الهيئة القومية للبريد بإصدار طابع بريد خاص به.
وبهذا نكون قد سلطنا الضوء على أحد أبرز الوجوه السينمائية، التي تركت أثرًا وبصمة واضحة في تاريخ السينما من خلال أداء دور السنيد أو البطل الثاني في الدراما والمسرح والسينما .. لم يكن حسين رياض ممثلًا عاديًا بل ممثلًا متفردًا يصعب أن يجود الزمان بمعجزة فنية مثله.