دراما رمضان و«السوشيال ميديا»
كعادته مر شهر رمضان سريعًا خفيفًا، وها نحن ننتبه أننا نستعد لاستقبال النصف الثانى منه بعد أن مر نصفه الأول مرور النسيم.. والحقيقة أن ما حدث فى الأيام الثلاثة الأولى فى رمضان على بعض صفحات السوشيال ميديا من هجوم على بعض الأعمال وتسرع فى الحكم عليها أو نسخ لمنشورات بعينها تهاجم أعمالًا بعينها يصلح نموذج حالة لكى نضع يدنا على بعض عيوب وسائل التواصل الاجتماعى لدينا وبعض عيوب أنماط التفكير الشائعة بيننا الآن.. ولعل أول هذه العيوب هو إعادة إنتاج مواقف الآخرين على السوشيال ميديا وانتحال البعض لها على أنها مواقفه الشخصية، وهى ظاهرة قديمة تسبق ظهور السوشيال ميديا أشار لها الكاتب الكبير صلاح عيسى فى أكثر من مقال له فى بداية الألفية.. ثم وجدت فى وسائل التواصل الاجتماعى بيئة خصبة لها.. وأصل هذه الظاهرة السلبية تمامًا.. أن الله لم ينعم على كل عباده بموهبة خلق الأفكار الجديدة، ولكنه اختص بها قلة قليلة قد تصيب فى أفكارها أو تخطئ وبسبب نمط التعليم لدينا الذى لا يمانع أبدًا فى الحفظ وتكرار آراء الآخرين وبسبب رغبة البعض فى أن يظهر يوميًا على وسائل التواصل وكأنه صاحب رأى فى كل الأمور وصاحب فتوى فى كل المسائل.. فإنه لا يجد غضاضة فى أن يعيد إنتاج رأى ليس له فى منشور يضع عليه اسمه وينشره على حسابه.. بعضهم ينقل حرفيًا كما نعرف جميعًا.. وبعضهم يعيد صياغة الفكرة التى ليست له فى صياغة جديدة.. فإذا قرأ منشورًا يهاجم عملًا ما.. أعاد إنتاج الفكرة وهاجم نفس العمل دون أن يراه.. إلى جانب ظاهرة إعادة إنتاج الأفكار هذه.. هناك ظاهرة أخرى تختص بها السوشيال ميديا وهى صعود موضوع ما ليحتل اهتمام الجميع أو يصبح «ترند».. وبالتالى يجد أصحاب الحسابات الراغبون فى تصدر محركات البحث أن عليهم أن يدلوا بدلوهم فى الموضوع الذى تحول إلى «ترند» فإذا كان الموضوع مسلسلًا ما.. أو هجومًا على نجم معين.. كتبوا عن المسلسل دون أن يروه.. أو تحدثوا عن النجم وفق انطباع سابق دون أن يشاهدوا أداءه فى المسلسل الجديد مثلًا أو يفكروا هل تطور أم لا؟ وهل يخبئ مفاجأة للمشاهدين مثلًا بتطور أدائه أم أنه تراجع للوراء؟؟ فى الحقيقة لا أحد يفكر بمثل هذه الطريقة على وسائل التواصل وإنما يريد أن يفتى بمجرد أن يفتح عينيه ويدرك ما هو الموضوع الذى يتصدر «الترند».. ويضاف إلى عيبى «إعادة إنتاج الأفكار» و«الرغبة فى ركوب الترند» عيب ثالث يشترك فيه الجميع تقريبًا وهو غياب الموضوعية.. أو خلط الفنى بالشخصى.. أو خلط الخاص بالعام.. فصورة الفنان العامة تؤثر على استقبالنا لعمله الفنى.. وهذا خطأ.. لأن الصورة العامة قد تكون مشوشة لاعتبارات كثيرة بعضها حق وبعضها باطل.. ولكننا يجب أن نحاكم العمل الفنى بمقومات الحكم على الأعمال الفنية لا بأى معيار آخر.. والحقيقة أن الجميع يقعون فى هذا الخطأ بشكل أو بآخر.. بحسن نية أو بسوء نية.. فالفنان الذى استبعد من عمل معين يهاجم العمل كله ومخرجه دون أن يملك شجاعة أن يقول إن موقفه شخصى ومبنى على كذا وكذا.. والمنتج الذى رفضت قناة معينة شراء مسلسله يهاجم المسلسلات التى اشترتها القناة دون أن يملك شرف الخصومة ويقول إن موقفه متأثر بكذا وكذا.. والصحفى الذى أساء فنان ما الرد على اتصاله ذات مرة.. يتربص به ليهاجمه دون أن يملك الشجاعة ليقول إنه لا يحبه بشكل شخصى بسبب موقف حدث بينهما.. وقد فكرت فى كل هذه الأفكار والحالات التى نعرفها جميعًا وأنا أتابع إعجاب الناس بعدد كبير من مسلسلات رمضان هذا العام.. وتحقيقها نسب مشاهدة كثيفة تفوق بعض نسب المشاهدة فى الأعوام الماضية.. واستمتاع الناس بأداء نجوم كبار هم أصول فنية قومية مثل محمد رمضان وخالد النبوى وأحمد مكى وأحمد أمين وياسر جلال وأمير كرارة وياسمين عبدالعزيز.. بينما يستعد المشاهدون لاستقبال مسلسلات لنجوم من نفس الوزن الثقيل مثل منى زكى وأحمد السقا ودنيا سمير غانم.. أتابع كل هذا فأقول إن آفة حارتنا ليس النسيان كما قال أبونا نجيب محفوظ، ولكن آفة حارتنا هى التسرع فى الحكم من جهة وعدم الصبر من جهة ثانية وخلط الشخصى بالفنى من جهة ثالثة.. ولا يمنع هذا من أن أوجه ملاحظة فنية لبعض صناع المسلسلات فى قادم الأيام فأقول إن الحلقات الأولى من أى مسلسل يجب أن تكون جاذبة للناس وأن تحمل وعودًا لهم بمشاهدة ممتعة.. حيث يعتمد بعض مؤلفينا للأسف على التصاعد التقليدى واستهلاك الحلقات الأولى فى «فرش» الأحداث.. اعتمادًا على طول حلقات المسلسل وامتدادها طوال الشهر.. والحقيقة أن المنصات الدرامية الأجنبية والعربية قد غيرت عادات المشاهدة لدى الناس وجعلتهم يجدون متعة أكثر فى مسلسلات الحلقات القليلة.. وحسنًا فعلت شركات الإنتاج هذا العام بأن جعلت بعض المسلسلات خمس عشرة حلقة فقط.. وأظن أن التجربة يمكن أن تتطور فنرى فى رمضان المقبل مسلسلًا عشر حلقات فقط.. بحيث تعرض القناة ثلاثة مسلسلات فى الشهر الكريم فى نفس الموعد.. وأظن أن تجربة الحلقات العشر ستكون تجربة ناجحة وستجتذب عددًا من كبار المخرجين وستساهم فى إلقاء الضوء على مزيد من المواهب التمثيلية التى انفجرت فى وجوهنا مثل الفيضان هذا العام لتثبت أن مصر «ولادة» وأنها ستظل دائمًا بخير مهما أرادوا لها شرًا.. والله يعلم وأنتم لا تعلمون.