تحية لـ«المتحدة»
لا أشعر بأدنى قدر من تعارض المصالح حين أكتب عن أداء الشركة المتحدة فى مجال الإنتاج الفنى.. بقدر ما أشعر بأهمية الإدلاء بالشهادة فى زمن تختلط فيه الحقائق وتتداخل الأصوات وتتضارب المصالح مما يحدث حالة من التشويش على حقائق واضحة للعيان.
وباعتبارى شاهدًا قديمًا يمارس الصحافة منذ التسعينيات المبكرة أقول إن المتحدة أنهت حالة ضباب دخل فيها الإعلام المصرى منذ بداية الألفية تقريبًا.. وكان لها شواهد مبكرة.. كان الإنتاج الدرامى حتى عام ٢٠٠٠ يعيش بقوة الدفع من تراث الستينيات العظيم فى مجالى الفن والثقافة.. وكانت أقلام مثل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحفوظ عبدالرحمن ويسرى الجندى وكرم النجار.. تقدم سيناريوهات مليئة بالفن والمتعة والمسئولية الاجتماعية يتعاون معهم فى تقديمها مخرجون كبار من أبناء نفس الجيل مثل إسماعيل عبدالحافظ وإنعام محمد على ومحمد فاضل وإبراهيم الشقنقيرى وآخرين لا يقلون أهمية.. وكانت هذه الأعمال تتزين غالبًا بألحان عمار الشريعى وكلمات الأبنودى وسيد حجاب وآخرين من نفس المدرسة.. ثم تداخلت عوامل عدة منها عامل الزمن.. ومنها عامل السياسة.. وبدأ تجهيز المجتمع لما حدث بعد ذلك فى يناير ٢٠١١، واختلفت وجهات النظر حوله.. اختفت مسلسلات هذا الجيل التى بتنا نصفها حاليًا بمسلسلات الزمن الجميل.. واختلط الإعلام بالبزنس الخاص والإعلانات.. وتوقف التليفزيون المصرى عن إنتاج مسلسلاته بنفسه.. وظهر ما يسمى بنظام المنتج المنفذ.. الذى تحول لمنتج فعلى يفرض ذائقته على مواضيع المسلسلات وعناوينها.. ولاحقت اتهامات الفساد بعض المسئولين عن الإنتاج الدرامى من مشاهير المسئولين فى هذا الوقت وإن انتهت المحاكمات بعد وقت طويل للبراءة.. وكان هذا دليل اضطراب وصراع على سلاح الدراما ومن يمسكه فى يده.. أكثر مما هو دليل على فساد فعلى قام به هؤلاء المسئولون.. وكان من علامات الارتباك أن سيطرت أشباح فاسدين وأفاقين ونصابين سياسيين لتطل علينا من بين حلقات المسلسلات كنماذج درامية رفيعة.. وأذكر أننى شاهدت مسلسلًا لنجم رمضانى كبير وعملاق يؤدى فيه دورًا مستوحى من حياة شخص رشح نفسه فى أحد الانتخابات الرئاسية، واتضح بعد ذلك أنه سمسار سياسى من النوع الرخيص الذى يوزع جهوده بين أجهزة المخابرات المختلفة والمتنافسة.. واستمر الأمر بعد يناير ٢٠١١، حيث رأينا مسلسلات تنتج لتمجيد صاحب شركة توظيف أموال بدأ حياته تاجرًا للبيض وأصبح مليارديرًا ببركات الجماعة الإرهابية وتمويلها وبفضل تواطؤ بعض كبار المسئولين فى ذلك الزمن «الجميل»!.. وقد استمر هذا المناخ الذى يسرق فيه الأعداء سلاح الدراما الخطير من يد مصر.. حتى ظهرت الشركة المتحدة لتنظم هذه الفوضى وتعيد سلاح الدراما ليد مصر بعد أن حاول البعض أن يصوبه ضدها وأن يقتلنا بسلاحنا الذى برعنا فى استخدامه طوال سنوات وسنوات.. وقد كانت المهمة صعبة وحساسة.. فالدراما أداة متعة أكيدة من ضمن متع بسطاء المصريين.. وهى أيضًا سلاح خطير فى بلد زادت فيه الأمية وتراجع التعليم فأصبح العبء أكبر ثقلًا على الإعلام عمومًا والدراما خصوصًا.. وهى أيضًا مجال مصالح حيوى سابق لمنتجين وممولين من وراء الستار ومن أمامه أيضًا.. لكن الحقيقة أن المتحدة تعاملت مع الوضع بعقلية منظمة ومنهج احترافى، وبحسب ما تابعت فقد كان أولى مهام الدراما الجديدة هى تصويب رواية ما جرى فى مصر قبل وبعد ثورة الثلاثين من يونيو.. وتكذيب رواية المظلومية الزائفة التى أنفقت دول بعينها مليارات الدولارات لنشرها. والحق أن ذلك تم على أروع ما يكون بمسلسلات مثل «الاختيار، وهجمة مرتدة، والقاهرة: كابول، والكتيبة ١٠١»، وكان الهدف هو الأجيال الجديدة من الطلائع الذين لم يشهدوا الأحداث واستهدف الإرهابيون تزييف وعيهم برواية كاذبة.. أما على المستوى الفنى فإن أعظم ما قامت به المتحدة خلال وقت قصير هو تقديم جيل جديد من النجوم والمخرجين والمؤلفين المصريين يتسلم الراية من جيلى الستينيات والسبعينيات ويصنع فنًا يلائم الجمهور الجديد فى مصر.. وهكذا رأينا موهوبين أصبحوا فى الصدارة الآن.. كانوا قبل تأسيس المتحدة لا يجدون متنفسًا لهم سوى فى اليوتيوب أو بعض البرامج الصغيرة.. منهم نجم الكوميديا هذا العام أحمد أمين ومنهم الموهوب أكرم حسنى، ومنهم النجم أحمد مكى الذى توقف بعد الجزء الخامس من مسلسله الشهير فأعادته المتحدة فى الاختيار أولًا، ثم فى مسلسله الذى ارتبط به المصريون ثانيًا.. ومن النجوم الذين قدمتهم المتحدة فى ثوب جديد النجم الشعبى محمد رمضان الذى يحقق نجاحًا مستحقًا هذا العام بعد أن استقر على صيغته الفنية بعد تجارب عديدة رعتها الشركة المتحدة واستثمرت فيها فى هذا النجم متعدد الوجوه.. نفس الأمر ينطبق على نجمة مثل ياسمين عبدالعزيز.. التى لم تنل فرصتها فى البطولة التليفزيونية إلا مع المتحدة رغم سابق نجاحها السينمائى.. هذا فضلًا عن أسماء لامعة فى الإخراج والكتابة والتصوير لم تنل فرصتها إلا من خلال المتحدة وحماسها لتقديم جيل جديد من الموهوبين ووعيها لأهمية التسليم والتسلم فى الفن المصرى.. تحية لهذه الشركة التى أعادت سلاح الدراما ليد مصر بعد أن حاول البعض توجيهه لعقلها.. ولنا جولات أخرى نتحدث فيها عن الإيجابيات والسلبيات أيضًا.. فالخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.